الأغلبية الصامتة: عنصريون
قبل أن نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم من «شماتة» ونبش وتحريض وتهليل في موضوع «الجنسية» الذي أصبح «ترند» الجلسات، علينا العودة بالزمن قليلاً إلى الأجواء التي هيأت لمثل هذه الحالة العنصرية كي تعلن عن نفسها بكل فخر واعتزاز، وهي متسلحة بأطنان من الحجج والشواهد.
لقد كنت أرفض وما زلت مقولة إننا شعب عنصري يهوى التفرقة من الدوائر البعيدة حتى ينتهي للتفرق داخل الدائرة الأقرب، وقد أدافع قائلاً بأننا شعب يتم «استفزاز» بعض مكوناته بالدور، في إجراءات تعزز الشعور بعدم العدالة، حتى يخرج أسوأ ما فيها، وهي ليست كذلك، فكيف تجتمع العنصرية مع المشاعر الفياضة في تقديم التبرعات والمساعدات للمحتاجين!!
ومع الأسف الشديد لم ينجح أي مكون تسيد الساحة السياسية خاصة آخر عقدين، في تقديم المثال الجيد في التسامح مع الآخرين، فكل من «صادها عشى عياله»، ثم تدور الدوائر ويصعد فريق آخر كان مهزوماً ليفعل عكس ما كان يطالب به من عدالة وتسامح، وهنا لا بد أن نضيف أن الكثير من العوامل الخارجية ألقت بظلالها على الداخل بدءا من الحرب العراقية الإيرانية حتى آخر الأحداث الساخنة في غزة ولبنان وحلب.
لقد كانت الهويات الفرعية موجودة من قبل كتذكار في مجتمع ليس للفرد فيه أي قيمة دون كد وعمل، هو يعرف أصله وفصله ولكن الأصل لا يطعم البطن ويسد حاجات البيت، وبعد أن عم الخير ظل التماسك الاجتماعي والاحترام المتبادل ورقي لغة التخاطب مستمراً فترة طويلة حتى عندما جرت الانتخابات عدة مرات لم يحدث ذلك الاحتقان كما نراه اليوم، ولكن بعد تفتيت الدوائر لانتخابات 1981م بدأت الكويت تدخل مرحلة جديدة من الشد المستتر، وبعد التحرير هدأت الأوضاع قليلاً، ولكن سرعان ما تدهورنا في نفق الصراعات المكشوفة، وكل من ليست لديه هوية فرعية يحتمي بها فلن يكون له وجود أو تأثير، لذلك تم صنع مكونات غريبة لم يكن لها وجود في الأصل، نجحت في الدخول إلى الحكومة والحصول على مناصب قيادية في الدولة.
ولعل ما زاد النار اشتعالاً في بنية التماسك الاجتماعي، هو تعديل آلية التصويت التي قلصت حق الناخب لصوت يتيم، وهو ما زاد فرص المكونات الاجتماعية الأصغر للوصول إلى البرلمان، كما أنه في المقابل ساهم في تكسير الكتل الكبيرة من الداخل ومن البيت الواحد أحياناً، كل ذلك وأكثر لا يحدث دون استخدام خطاب عنصري ومفردات تسترجع رموز الأزمان الغابرة وإشاراتها.
إذاً عندما تحين مثل هذه الفرصة لنبش ملفات الجنسية القديمة والجديدة، ليس من المستغرب أن يتطوع بعض الأكاديميين والسياسيين والدعاة وأصحاب الأعمال و«هوانم غاردن سيتي» لتأييد كل ما يحصل دون تمحيص أو تأنٍّ حتى أصابت بعضهم «النيران الصديقة»، وهنا انتبه بعضهم لخطورة الأوضاع وبدأ بإطلاق نداءات التحذير وتغريدات الأنين والحكمة.
في الختام، ما يحصل اليوم ليس سوى نتائج سلبيات الماضي وطريقة المعالجة إذا لم توجد لها ضوابط وبعد نظر يضع التكاليف الاجتماعية في المرتبة الأولى فلن يكون القادم أفضل مما سبق.