استوقفني مليّاً التصريح المنشور أمس للنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع وزير الداخلية، الشيخ فهد اليوسف، والذي جاء فيه: «أن الجنسية من أعمال السيادة وفقاً لأحكام القضاء».

وسبب توقفي أمام هذا التصريح أن المسؤول عن ملف الجنسية وتنفيذ إجراءاته يقوم بعمله وفقاً لمنظور ومنطلقات قانونية، مصحوبة باعتبارات وملاءمات اجتماعية وإنسانية، فحينما يأتي بالتصريح «أن الجنسية عمل سيادي يخرج عن رقابة القضاء»، وفقاً لأحكام محكمة التمييز، كما جاء في التصريح المذكور، فإن ذلك يبعث على الاطمئنان والارتياح للإحاطة التي لدى المسؤولين من هذا الجانب، وحرصهم ومراعاتهم لقواعد المشروعية المبنيّة على علم بما هو من اختصاصهم التنفيذي بأبعاده المختلفة، بما في ذلك أنه عمل سيادي يخرج عن نطاق رقابة القضاء، وفي معيّة ذلك قرأت قبل أيام تصريحاً آخر للوزير نفسه أشار فيه إلى أن اللجنة العليا للجنسية تقوم بدراسة متأنية للملفات التي تُعرَض عليها، وفي الوقت نفسه، فإنّها حريصة على تأمين حياة وعيش كريم لمن سُحِبت منهن الجنسية، من حيث معاملتهن المالية والوظيفية واستقرارهن الاجتماعي، ما لم تكن هناك أسباب أخرى للحيلولة دون ذلك.

Ad

وقد رجعت في هذا الشأن بالذاكرة إلى أحكام القضاء، فوجدت الحكم رقم 2 لسنة 1999 دستوري، الصادر عن المحكمة الدستورية في جلسة 27/ 4/ 1999، والذي قضت فيه المحكمة الدستورية بأن المسائل المحظورة في قانون المحكمة الإدارية رقم 20/ 81، المعدل بالقانون رقم 61/ 82 تعدّ من الأعمال السياسية التي تخرج عن ولاية الرقابة الدستورية، (منها موضوعات الجنسية)، لدخولها ضمن طائفة أعمال السيادة التي تنأى عن الرقابة القضائية للمحكمة الدستورية.

ورجعت كذلك إلى حكم الهيئة العامة لمحكمة التمييز الصادر في الطعن رقم 2 لسنة 2022 بتاريخ 17/ 4/ 2022، الذي جاء فيه أن مسائل الجنسية بأكملها - أصلية أو مكتسبة - تخرج برمّتها عن الاختصاص الولائي للمحاكم باعتبارها تدخل ضمن أعمال السيادة والعدول عن المبدأ الذي تبنّته الأحكام المخالفة في هذا الشأن.

وهو ما يوضح بشكل جليّ أن مسائل الجنسية هي سيادية تتصل بكيان الدول ووجودها وحماية كيانها وسلامتها، ولذلك فهي تخرج عن ولاية القضاء، ومسؤوليتها منوطة بالسلطة التنفيذية ممثلة بسمو الأمير، حفظه الله، وبالوزراء ممن تتكون منهم الحكومة، وفقاً للمادة 51 من الدستور الكويتي، ومن ثمّ فإن ما يثيره بعض المحامين من إشارات إلى إمكانية الطعن على قرارات مسائل تتعلق بالجنسية أمام القضاء، أمر غير صحيح، في ظل الأحكام المهمة المشار إليها من قبل المحكمة الدستورية ومن قبل الهيئة العامة لمحكمة التمييز، وعليهم عدم تضليل الناس.

ورغم ذلك، فإن الأمر لا يعني أن يقع الظلم على أحد - لا قدّر الله - بأي قرار ربما يكون قد جانبه الصواب، وإنما على الحكومة أن توفر آلية لنظر التظلمات التي يمكن أن تُقدم في هذا الشأن تحقيقاً للعدالة ورفعاً لأي ظلم أو إجحاف - وحسب ما قرأت، فإنه تم تشكيل لجنة لذلك - وهو أمر حَسَن ومطلوب في ظل دولة دستور وقانون تحرص على رعاية حقوق الناس وحمايتها بإشاعة العدل.

كما لا يفوتني أن ألفت إلى أن الحرص والتدقيق والمراجعة يجب ألا تكون مسألة شكلية من ناحية، أو متساهلة في نظر هذه الموضوعات الحساسة من جهة أخرى، فالناس تبحث عن العدالة والإنصاف ومراعاة الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية التي تؤدي إلى لمّ شمل الأسرة ووحدتها واستقرارها، وبالتالي استقرار المجتمع.