التعليم العالي أصبح أداة حقيقية لتمكين أجيال المستقبل
بدأ مارموليجو حديثه، قائلاً إن «التعليم العالي أصبح أداة حقيقية لتمكين الأجيال القادمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقد شهدنا نمواً سريعاً وكبيراً متعدد المستويات، حيث يمكن للتعليم العالي في المنطقة أن يسهم بشكلٍ ملموس في نمو العالم بأسره».
وأضاف أن «محاور التعليم العالي ليست معنية فقط بالتعليم، بل تتخطى ذلك لتكون كيانات تخدم المجتمع كله، وتساعد على التغلغل في النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمنطقة».
التحديات التي يواجهها قطاع التعليم العالي في المنطقة
أما بالنسبة للتحديات التي يواجهها قطاع التعليم العالي في المنطقة، فقد أشار إلى أهمها: «أولاً، تفضيل قوي تجاه الجامعات، وذلك عبر استبعاد المكونات الأخرى للتعليم ما بعد الثانوي. ثانياً، مستويات الجودة ما زالت ضعيفة نسبياً. ثالثاً، هناك تباينات واضحة في إتاحة الوصول إلى التعليم العالي. رابعاً: المساهمة في المجتمعات مازالت ضعيفة نسبياً».
وأضاف: «فيما يخص الاستثمار في التعليم العالي - على المستوى الإقليمي - نجد أنه غير كافٍ نسبيا. وهناك عناصر أخرى تُعد مصدر تحدٍّ للمنطقة، كالتغيرات الطفيفة التي تطرأ على المناهج، نظرا للمنظومة غير المرنة في قطاع التعليم العالي».
تحديات تتيح فرصاً مهمة لتطوير التعليم العالي في المنطقة
الدخول في اقتصاد يتزايد فيه التحول الرقمي
ألقى مارموليجو الضوء على مجموعة من الفرص المهمة والمتاحة أمامنا، وقال: «أولاً، بما أننا جزء من عالم مترابط، فالدخول في اقتصاد ومجتمع يتزايد فيه التحول الرقمي سيتيح فرصة كبيرة للقفز إلى الأمام في الطريقة التي نعمل بها في قطاع التعليم العالي بالمنطقة».
توفير فرص للتعليم العالي الأكثر شمولاً
وتابع «ثانياً، لدينا فرص أكبر لتوفير فرص للتعليم العالي الأكثر شمولاً، مع الأخذ في الاعتبار أننا قد تعلمنا كثيراً بشأن خيارات التعلم عن بعد، والتعلم الحضوري والمزج بينهما».
التعامل مع التحول في التركيبة السكانية وزيادة الطلب على التعليم العالي
وأضاف: «الأمر الثالث، كيفية التعامل مع التحول في التركيبة السكانية، بالإضافة إلى زيادة الطلب على التعليم العالي الذي شهدناه في المنطقة، والذي هو أكثر حدة من أي مكان آخر في العالم».
أمامنا تحدٍ لجعل جامعاتنا مؤسسات للتعليم الأكثر قابلية للتكيف والمرونة
وأخيراً: «هناك تحدٍ، ولكنه فرصة ذات قيمة كبيرة لنا، وهو كيف نجعل جامعاتنا مؤسسات للتعليم الأكثر قابلية للتكيف والمرونة؛ كيف نحرص على أن تكون جامعاتنا على قدر من المستويات اللائقة والمطلوبة للتعامل مع مختلف التحديات التي سبق ذكرها».
ضرورة تحقيق التوازن بين القطاعين العام والخاص في مجال التعليم العالي
واسترسل في حديثه قائلًا: «رابعًا، إن التحدي الذي نجد فيه فرص كبيرة للغاية هو تحقيق التوازن بين القطاعين العام والخاص في مجالات التعليم العالي. وقد شكّل ذلك تحديًا في بعض الدول مقارنًة بغيرها. كما شهدنا في المنطقة أن هناك بعض الدول التي استطاعت أن تحقق قدرًا كبيرًا من النجاح في التعامل مع هذا الأمر لخلق نظام أكثر انسجامًا بما يشمل القطاعين العام والخاص في مجال التعليم العالي. ولدينا الكثير لنتعلمه من هذه التجارب كوسيلة لزيادة تأثير التعليم العالي».
يمكننا إحداث فرق كبير في تأسيس مؤسسات محلية موجهة نحو مواكبة العالم
الأمر الخامس الذي ذكره هو كيف أصبحت الجامعات أكثر عالمية في زمن انخراطها في الأمور المحلية؛ معبرًا عنه أنه تحدٍ، إلا أنه يراه فرصة كبيرة. وقال: «أعتقد أننا نحن كمنطقة يمكننا أن نحدث فرقًا كبيرًا في تأسيس مؤسسات محلية؛ مؤسسات موجهة نحو فهم ومواكبة العالم، إلا أن جذورها عميقة في مجتمعاتها».
يجب أن تكون فرص التعليم متاحة للجميع
واستطرد حديثه قائلًا: «نسبةً إلى مجموع التعداد السكاني، فإن عدد المنتسبين لمسارات التعليم العالي المختلفة لا يمثلون سوى نسبة %3 من مجموع التعداد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وإن هذه تُعد أحد أعظم التحديات التي تواجهنا، وهي كيفية توفير فرص التعلم للجميع. فأهم أصولنا، وهم الشباب، من الممكن أن تتحول إلى عبء كبير علينا إن ظل التعليم العالي مجرد حلم». إذا لم نجد طرقاً لجعل التعليم العالي ذي صلة وأهمية فنحن نعد طلابنا من أجل واقع غير موجود
وأضاف: «هناك موضوعان محوريان يجب أن يتم الانتباه لهما في المنطقة. الموضوع الأول هو وجود عدد لا يُستهان به من المتسربين من منظومة التعليم العالي. والموضوع الثاني هو أن لدينا مشكلة في عدد المتعلمين الذين لا يستكملون تعليمهم في الزمن المحدد لذلك. وبالطبع كِلا الأمرين يعتبران من الأمور التي تعكس عدم الفاعلية في المنظومة، والتي يجب أن نكون قادرين على معالجتها لكي نستطيع توفير المزيد من الفرص لعدد أكبر من المستفيدين، حتى يتوفر لهم فرصة تلقي تعليمهم. والسؤال الأهم هو: ما الذي يتعلمه طلابنا. نحن بحاجة إلى أن ندرك الحقيقة بأن مؤسسات التعليم العالي على مستوى العالم يميلون إلى فصل أو تحليل المعرفة، بطريقة لا تعكس بشكلٍ حقيقي الواقع الراهن. وإذا لم نجد طرق لكي يصبح هذا التعليم ذا صلة وأهمية - كما هو اللاعب»ميسي«بالنسبة لكرة القدم - فنحن نعد طلابنا من أجل واقع غير موجود». ضرورة تعاون الجامعات مع سوق العمل لمعالجة الفجوات في المهارات
وتعقيبًا على العلاقة بين مهارات الخريجين واحتياجات سوق العمل، علّق د. مارموليجو: «إن هناك الكثير من الدراسات التي تحاول تحليل الفجوة بين توقعات أصحاب العمل وواقع المهارات التي يتمتع بها الخريجون من أنظمة التعليم العالي. ولسد هذه الفجوة بشكلٍ أساسي، يجب أن تتحلى أساليبنا التعليمية بتوفير فرص مميزة لطلابنا لكي يخوضوا تجارب تكون غاية في الأهمية في حياتهم، وتضمن حصولهم على المهارات الفنية؛ ذلك بالإضافة إلى الجودة العالية في المجالات الأكاديمية». هناك حاجة لمعايشة التجربة التعليمية مع التركيز على المهارات الشخصية والقدرة على التكيف
واستطرد قائلًا: «وعند الحديث عن المهارات المطلوبة للمستقبل، والمتعلقة بالذكاء الاجتماعي، هناك حاجة لمعايشة التجربة التعليمية بطريقة تتخطى الأسلوب الاعتيادي الذي كان سائدًا. كما يجب أن يكون هناك تركيز أكبر على المهارات الشخصية والقدرة على التكيف. وباختصار، علينا أن نفكر في مثلث الفضيلة: أولًا، الحرص على أن فرص التعليم العالي متاحة بشكل أكبر للأفراد في منطقتنا؛ ثانيًا، الحرص على أن يبقى الطلبة منخرطين في التعليم العالي؛ وثالثًا، التأكد من أن الطلبة سيتعلمون شيئًا ذا معنى وقيمة، وذا صلة بهم؛ وبشكلٍ أهم، عبر أسلوب مرن. وأنهم في النهاية سوف ينتهون من تعليمهم الجامعي في الزمن المحدد لذلك. وكل ذلك يحتاج إلى بناء ثقافة قوية مبنية على ثبوت الأدلة في مؤسسات التعليم العالي».
تناول د. مارموليجو بالشرح وجهة نظره بالمرونة في قطاع التعليم، وتساءل قائلاً: «كيف نتأكد من أن برنامج التعليم العام في مؤسساتنا مرن بالفعل؟ كيف يمكن قياس المهارات الأساسية قبل التدخل التربوي وبعده؟ وكيف يمكن التأكد من حصول الأفراد على المهارات؟ إن برنامج «مسارك أنت» يضع مسارات للطالب، حيث يُتاح له بشكلٍ حقيقي فرصة المرونة في التعلم. وكمثال على ذلك، أنه يمكن لكل الطلاب بمؤسسة قطر - بغضّ النظر عن المؤسسة الأكاديمية التي انخرطوا بها - أن يحصلوا على برامج تعليمية من أي من المؤسسات الأكاديمية الأخرى التابعة لمؤسسة قطر، دون العقبات أو البيروقراطية، أو سداد أية مبالغ إضافية أو أي شيء مماثل لذلك. وعليه، فالطالب لديه فرص كبيرة للتعلم والحصول على فرصة تعليمية من أفضل عضو هيئة تدريس في جامعة جورج تاون، أو جامعة كورنيل، أو أي من المؤسسات الأخرى. فسهولة تنقل الطلبة بين كل هذه المؤسسات التعليمية، هو جزء من الحمض النووي للمؤسسة. كل ذلك بالإضافة إلى توسيع محفظة البرامج الأكاديمية المشتركة. هذا كما يتم التركيز على الطلاب الذين قد يكون لديهم تفضيل أو برنامج أكاديمي محدد واحد، ودراسة إمكانية تيسير التعليم لهم من أجل الحصول على برنامج أكاديمي للتخصص الذي يفضلونه».
دور برامج التعلم عبر الإنترنت والتعليم البديل في تحسين التعلم
خلال الإجابة عن سؤال حول دور برامج التعلم عبر الإنترنت والتعليم البديل لتحسين التعلم والاستعداد للعمل، قال د. مارموليجو: «لا تنسوا أننا قد عشنا تجربة مختلفة بسبب جائحة كوفيد - 19. لقد تعلمنا منها الكثير. أولاً، تعلمنا أننا لسنا مستعدين للتعامل معها. تعلمنا أيضًا أن المدرسين كانوا قادرين على التكيف على الوضع الجديد بشكلٍ أسرع مما كنا نتخيل. كما تعلمنا أن الطلاب في البداية كانوا متحمسين للغاية، لأنه لم يكن عليهم الاستيقاظ والذهاب إلى الجامعة، إلا أنهم سرعان ما أصبحوا بعد ذلك يشعرون بالملل الشديد. ثم أصبحوا مشتتين للغاية. كما أننا واجهنا مشكلة الحضور الحقيقي للمحاضرة. نحن نشهد أحد الدروس الرئيسية التي تعلمناها من الوباء، وهو أن هناك مستويات كبيرة من القلق، ومشاكل الصحة العقلية التي يعانيها ليس فقط الطلاب، ولكن حتى أعضاء هيئة التدريس والموظفون في كلياتنا وجامعاتنا. كما تعلمنا أن هناك أشياء معينة يمكننا القيام بها لجعل تجربة التعلم أكثر فائدة، وإليكم بعض الأمثلة مثل تقصير وقت المحاضرة وخلق تعلم هادف - وهذه أشياء ليست بجديدة - لكن الوباء دفعنا إلى إدراك مدى أهمية هذه العناصر. وغالبًا ما ستكون هناك تحديات كبيرة في المستقبل مثل كيفية تقليل عجز تعلم الطلاب المتراكم لمدة عامين؛ كيفية تقليل أوجه عدم المساواة الذي كان واضحًا جدًا بسبب نقص الوصول إلى التكنولوجيا؛ وكيفية الحفاظ على تحفيز الطلاب إذا استمروا في التعرض لبعض تجارب التعلم المدمج؛ وكيفية إجراء الاختبار والتقييم «أونلاين»؛ وكيفية تحقيق التعلم المدمج الذكي».
استعداد الطلاب للإبداع والتميز لا يقل أهمية عن استعدادهم للعثور على وظائف
تساءل د. مارموليجو: «كيف نضمن أن تتماشى الخيارات المتاحة مع احتياجات سوق العمل؟ وذلك في غياب أجوبة واضحة عن الحاجة في سوق العمل، هذه حقيقة نواجهها في عالمنا وليس فقط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بل إنها مشكلة يواجهها العالم بأكمله. نحن بحاجة إلى تركيز أعمق على قابلية التوظيف وريادة الأعمال، كما أننا نحتاج إلى التأكد من أن الطلاب ليسوا مستعدين فقط للعثور على وظائف، بل والإبداع والتميز كذلك. نحن بحاجة إلى إنشاء المزيد من برنامج الجسر الأكاديمي بين المستويات السابقة للتعليم ونظام التعليم العالي كما هو الحال في مؤسسة قطر، فلدينا برنامج الجسر الأكاديمي الذي يهدف بشكلٍ أساسي إلى الانتقال السلس بين مرحلة ما قبل الجامعة والجامعة؛ نحتاج إلى معرفة ما يحدث مع الخريجين، هل يقومون بتطبيق ما تعلموه، وبأي طريقة كانت تجربتهم في التعليم مفيدة في حياتهم المهنية. وكذلك بالطبع نحن نعلم أن الحكومات يمكنها القيام بالعديد من الأشياء، ولكن أيضًا على مؤسسات التعليم العالي أن تفعل المزيد لأننا إذا كنا نتوقع أن تظهر هذه المعلومات بطريقة سحرية لكي نتعلم منها، فلن يحدث ذلك».
أهمية قمة 2022 في وضع الخطط المناسبة للنهوض بالتعليم العالي في المنطقة
قال د. مارموليجو: «باختصار، لدينا فرصة فريدة من نوعها اليوم لمراقبة التعليم العالي، ألا وهي هذه القمة لعام 2022. وهذا هو السبب في أنني ممتن للغاية بتفاعلي معكم اليوم لأنكم ستكونون قادرين على الاستفادة من ذلك. وهو ما لم يكن متاحًا من قبل. ففي كثير من الأحيان في التعليم العالي نلوم مرحلة ما قبل التعليم الجامعي على أنها الجاني في كل شيء».
اكتساب المهارات يجب أن يتحقق قبل الوصول إلى مرحلة التعليم العالي
«عندما نتحدث عن المهارات التي ستكون مطلوبة للمستقبل، فقد أظهرت الأدلة أنه بحلول الوقت الذي يصل فيه الطالب إلى التعليم العالي، يكون قد فات الأوان بالنسبة لهم لاكتساب المهارات. لأن الطالب في عمر الثمانية عشر عامًا، يكون قد اكتسب بالفعل سلوكًا، ووقتها لن يكون قادرًا على وقف وتغيير هذا السلوك. ولكن، إذا بدأنا بمستويات تعليمية سابقة، بحلول الوقت الذي يصلون فيه إلى مستويات أعلى من التعليم الجامعي، سيكون الوضع مختلفًا».
التجربة التعليمية الحقيقية تساعد الطالب على التحليل والتقييم وخلق المعرفة
«يجب أن ندرك أن هناك الكثير مما يجب القيام به في مؤسسات التعليم العالي لدينا في إدراك أن الطلاب يتعلمون ليس فقط داخل الفصل ولكن خارجه أيضًا. علينا أن نبتعد عن تلك الفكرة التي تقول أنه لا يمكنك أن تحصل على التعليم إلا من خلال المعلم، هذه فكرة خاطئة. اليوم نحتاج إلى المرونة الحقيقية في عروض التعليم العالي لدينا؛ نحتاج إلى الاستفادة في تقديم التعليم المختلط؛ نحتاج إلى ربط الجامعات بشكلٍ أكثر فاعلية بالمجتمع وبالجامعات؛ وإلى بذل المزيد من الجهد لتمكين الطلاب وتشجيعهم على تعلم المزيد بأنفسهم؛ نحن بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد للاستفادة من التكنولوجيا، ولدينا أيضاً فرصة لمراجعة وإدراك أهمية المنهج؛ فالطلاب في مؤسساتنا يتم تدريبهم على الحفظ والتذكر تحضيراً للاختبار الذي سينسونه لاحقًا. يجب علينا أن ندرك أن التجربة التعليمية الحقيقية تساعد الطالب ليس فقط على التذكر، بل أيضاً تحليل وتقييم وخلق المعرفة. علينا أن نحرص على ربط الطلاب مع الواقع من حولهم».
واختتم حديثه قائلًا: «أنا أحلم بمؤسسات أكثر تنوعًا؛ مؤسسات قادرة على تحمّل المخاطر؛ قادرة على التعاون فيما بينها. وأنصحكم بأن تقوموا بالتعاون بشكلٍ أكبر. وهذا يختلف عن مجرد تقديم المساعدة. فتقديم المساعدة يعني فقط أن نستمر جميعنا في فعل ما نريده. أما التعاون، فهو الوصول وتوضيح وخلق أو ابتكار أمور جديدة. وهذا ما علينا أن نقوم به في الشرق الأوسط، يمكننا أن نتعاون بهذه الطريقة. وفي حالتنا، نحن نسعى لعقد قمة للتعليم للاتفاق على أن التعليم العالي سوف يكون له معنى وقيمة أكبر في المستقبل. وسيكون أكثر فاعلية، لا سيما في ظل التحديات التي سوف نواجهها في المستقبل أيضًا. وسوف أختم بهذا الاقتباس «العالم لم يعد كما كان». ويمكنني أن أؤكد لكم أن المستقبل لن يكون بأي حال من الأحوال مثل الماضي، لذا علينا أن نتعاون معاً».
www.aum.edu.kw
بدأ مارموليجو حديثه، قائلاً إن «التعليم العالي أصبح أداة حقيقية لتمكين الأجيال القادمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقد شهدنا نمواً سريعاً وكبيراً متعدد المستويات، حيث يمكن للتعليم العالي في المنطقة أن يسهم بشكلٍ ملموس في نمو العالم بأسره».
وأضاف أن «محاور التعليم العالي ليست معنية فقط بالتعليم، بل تتخطى ذلك لتكون كيانات تخدم المجتمع كله، وتساعد على التغلغل في النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمنطقة».
التحديات التي يواجهها قطاع التعليم العالي في المنطقة
أما بالنسبة للتحديات التي يواجهها قطاع التعليم العالي في المنطقة، فقد أشار إلى أهمها: «أولاً، تفضيل قوي تجاه الجامعات، وذلك عبر استبعاد المكونات الأخرى للتعليم ما بعد الثانوي. ثانياً، مستويات الجودة ما زالت ضعيفة نسبياً. ثالثاً، هناك تباينات واضحة في إتاحة الوصول إلى التعليم العالي. رابعاً: المساهمة في المجتمعات مازالت ضعيفة نسبياً».
وأضاف: «فيما يخص الاستثمار في التعليم العالي - على المستوى الإقليمي - نجد أنه غير كافٍ نسبيا. وهناك عناصر أخرى تُعد مصدر تحدٍّ للمنطقة، كالتغيرات الطفيفة التي تطرأ على المناهج، نظرا للمنظومة غير المرنة في قطاع التعليم العالي».
تحديات تتيح فرصاً مهمة لتطوير التعليم العالي في المنطقة
الدخول في اقتصاد يتزايد فيه التحول الرقمي
ألقى مارموليجو الضوء على مجموعة من الفرص المهمة والمتاحة أمامنا، وقال: «أولاً، بما أننا جزء من عالم مترابط، فالدخول في اقتصاد ومجتمع يتزايد فيه التحول الرقمي سيتيح فرصة كبيرة للقفز إلى الأمام في الطريقة التي نعمل بها في قطاع التعليم العالي بالمنطقة».
توفير فرص للتعليم العالي الأكثر شمولاً
وتابع «ثانياً، لدينا فرص أكبر لتوفير فرص للتعليم العالي الأكثر شمولاً، مع الأخذ في الاعتبار أننا قد تعلمنا كثيراً بشأن خيارات التعلم عن بعد، والتعلم الحضوري والمزج بينهما».
التعامل مع التحول في التركيبة السكانية وزيادة الطلب على التعليم العالي
وأضاف: «الأمر الثالث، كيفية التعامل مع التحول في التركيبة السكانية، بالإضافة إلى زيادة الطلب على التعليم العالي الذي شهدناه في المنطقة، والذي هو أكثر حدة من أي مكان آخر في العالم».
أمامنا تحدٍ لجعل جامعاتنا مؤسسات للتعليم الأكثر قابلية للتكيف والمرونة
وأخيراً: «هناك تحدٍ، ولكنه فرصة ذات قيمة كبيرة لنا، وهو كيف نجعل جامعاتنا مؤسسات للتعليم الأكثر قابلية للتكيف والمرونة؛ كيف نحرص على أن تكون جامعاتنا على قدر من المستويات اللائقة والمطلوبة للتعامل مع مختلف التحديات التي سبق ذكرها».
ضرورة تحقيق التوازن بين القطاعين العام والخاص في مجال التعليم العالي
واسترسل في حديثه قائلًا: «رابعًا، إن التحدي الذي نجد فيه فرص كبيرة للغاية هو تحقيق التوازن بين القطاعين العام والخاص في مجالات التعليم العالي. وقد شكّل ذلك تحديًا في بعض الدول مقارنًة بغيرها. كما شهدنا في المنطقة أن هناك بعض الدول التي استطاعت أن تحقق قدرًا كبيرًا من النجاح في التعامل مع هذا الأمر لخلق نظام أكثر انسجامًا بما يشمل القطاعين العام والخاص في مجال التعليم العالي. ولدينا الكثير لنتعلمه من هذه التجارب كوسيلة لزيادة تأثير التعليم العالي».
يمكننا إحداث فرق كبير في تأسيس مؤسسات محلية موجهة نحو مواكبة العالم
الأمر الخامس الذي ذكره هو كيف أصبحت الجامعات أكثر عالمية في زمن انخراطها في الأمور المحلية؛ معبرًا عنه أنه تحدٍ، إلا أنه يراه فرصة كبيرة. وقال: «أعتقد أننا نحن كمنطقة يمكننا أن نحدث فرقًا كبيرًا في تأسيس مؤسسات محلية؛ مؤسسات موجهة نحو فهم ومواكبة العالم، إلا أن جذورها عميقة في مجتمعاتها».
يجب أن تكون فرص التعليم متاحة للجميع
واستطرد حديثه قائلًا: «نسبةً إلى مجموع التعداد السكاني، فإن عدد المنتسبين لمسارات التعليم العالي المختلفة لا يمثلون سوى نسبة %3 من مجموع التعداد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وإن هذه تُعد أحد أعظم التحديات التي تواجهنا، وهي كيفية توفير فرص التعلم للجميع. فأهم أصولنا، وهم الشباب، من الممكن أن تتحول إلى عبء كبير علينا إن ظل التعليم العالي مجرد حلم». إذا لم نجد طرقاً لجعل التعليم العالي ذي صلة وأهمية فنحن نعد طلابنا من أجل واقع غير موجود
وأضاف: «هناك موضوعان محوريان يجب أن يتم الانتباه لهما في المنطقة. الموضوع الأول هو وجود عدد لا يُستهان به من المتسربين من منظومة التعليم العالي. والموضوع الثاني هو أن لدينا مشكلة في عدد المتعلمين الذين لا يستكملون تعليمهم في الزمن المحدد لذلك. وبالطبع كِلا الأمرين يعتبران من الأمور التي تعكس عدم الفاعلية في المنظومة، والتي يجب أن نكون قادرين على معالجتها لكي نستطيع توفير المزيد من الفرص لعدد أكبر من المستفيدين، حتى يتوفر لهم فرصة تلقي تعليمهم. والسؤال الأهم هو: ما الذي يتعلمه طلابنا. نحن بحاجة إلى أن ندرك الحقيقة بأن مؤسسات التعليم العالي على مستوى العالم يميلون إلى فصل أو تحليل المعرفة، بطريقة لا تعكس بشكلٍ حقيقي الواقع الراهن. وإذا لم نجد طرق لكي يصبح هذا التعليم ذا صلة وأهمية - كما هو اللاعب»ميسي«بالنسبة لكرة القدم - فنحن نعد طلابنا من أجل واقع غير موجود». ضرورة تعاون الجامعات مع سوق العمل لمعالجة الفجوات في المهارات
وتعقيبًا على العلاقة بين مهارات الخريجين واحتياجات سوق العمل، علّق د. مارموليجو: «إن هناك الكثير من الدراسات التي تحاول تحليل الفجوة بين توقعات أصحاب العمل وواقع المهارات التي يتمتع بها الخريجون من أنظمة التعليم العالي. ولسد هذه الفجوة بشكلٍ أساسي، يجب أن تتحلى أساليبنا التعليمية بتوفير فرص مميزة لطلابنا لكي يخوضوا تجارب تكون غاية في الأهمية في حياتهم، وتضمن حصولهم على المهارات الفنية؛ ذلك بالإضافة إلى الجودة العالية في المجالات الأكاديمية». هناك حاجة لمعايشة التجربة التعليمية مع التركيز على المهارات الشخصية والقدرة على التكيف
واستطرد قائلًا: «وعند الحديث عن المهارات المطلوبة للمستقبل، والمتعلقة بالذكاء الاجتماعي، هناك حاجة لمعايشة التجربة التعليمية بطريقة تتخطى الأسلوب الاعتيادي الذي كان سائدًا. كما يجب أن يكون هناك تركيز أكبر على المهارات الشخصية والقدرة على التكيف. وباختصار، علينا أن نفكر في مثلث الفضيلة: أولًا، الحرص على أن فرص التعليم العالي متاحة بشكل أكبر للأفراد في منطقتنا؛ ثانيًا، الحرص على أن يبقى الطلبة منخرطين في التعليم العالي؛ وثالثًا، التأكد من أن الطلبة سيتعلمون شيئًا ذا معنى وقيمة، وذا صلة بهم؛ وبشكلٍ أهم، عبر أسلوب مرن. وأنهم في النهاية سوف ينتهون من تعليمهم الجامعي في الزمن المحدد لذلك. وكل ذلك يحتاج إلى بناء ثقافة قوية مبنية على ثبوت الأدلة في مؤسسات التعليم العالي».
أسئلة وحوار
ضرورة تطبيق مفهوم المرونة في قطاع التعليم العاليتناول د. مارموليجو بالشرح وجهة نظره بالمرونة في قطاع التعليم، وتساءل قائلاً: «كيف نتأكد من أن برنامج التعليم العام في مؤسساتنا مرن بالفعل؟ كيف يمكن قياس المهارات الأساسية قبل التدخل التربوي وبعده؟ وكيف يمكن التأكد من حصول الأفراد على المهارات؟ إن برنامج «مسارك أنت» يضع مسارات للطالب، حيث يُتاح له بشكلٍ حقيقي فرصة المرونة في التعلم. وكمثال على ذلك، أنه يمكن لكل الطلاب بمؤسسة قطر - بغضّ النظر عن المؤسسة الأكاديمية التي انخرطوا بها - أن يحصلوا على برامج تعليمية من أي من المؤسسات الأكاديمية الأخرى التابعة لمؤسسة قطر، دون العقبات أو البيروقراطية، أو سداد أية مبالغ إضافية أو أي شيء مماثل لذلك. وعليه، فالطالب لديه فرص كبيرة للتعلم والحصول على فرصة تعليمية من أفضل عضو هيئة تدريس في جامعة جورج تاون، أو جامعة كورنيل، أو أي من المؤسسات الأخرى. فسهولة تنقل الطلبة بين كل هذه المؤسسات التعليمية، هو جزء من الحمض النووي للمؤسسة. كل ذلك بالإضافة إلى توسيع محفظة البرامج الأكاديمية المشتركة. هذا كما يتم التركيز على الطلاب الذين قد يكون لديهم تفضيل أو برنامج أكاديمي محدد واحد، ودراسة إمكانية تيسير التعليم لهم من أجل الحصول على برنامج أكاديمي للتخصص الذي يفضلونه».
دور برامج التعلم عبر الإنترنت والتعليم البديل في تحسين التعلم
خلال الإجابة عن سؤال حول دور برامج التعلم عبر الإنترنت والتعليم البديل لتحسين التعلم والاستعداد للعمل، قال د. مارموليجو: «لا تنسوا أننا قد عشنا تجربة مختلفة بسبب جائحة كوفيد - 19. لقد تعلمنا منها الكثير. أولاً، تعلمنا أننا لسنا مستعدين للتعامل معها. تعلمنا أيضًا أن المدرسين كانوا قادرين على التكيف على الوضع الجديد بشكلٍ أسرع مما كنا نتخيل. كما تعلمنا أن الطلاب في البداية كانوا متحمسين للغاية، لأنه لم يكن عليهم الاستيقاظ والذهاب إلى الجامعة، إلا أنهم سرعان ما أصبحوا بعد ذلك يشعرون بالملل الشديد. ثم أصبحوا مشتتين للغاية. كما أننا واجهنا مشكلة الحضور الحقيقي للمحاضرة. نحن نشهد أحد الدروس الرئيسية التي تعلمناها من الوباء، وهو أن هناك مستويات كبيرة من القلق، ومشاكل الصحة العقلية التي يعانيها ليس فقط الطلاب، ولكن حتى أعضاء هيئة التدريس والموظفون في كلياتنا وجامعاتنا. كما تعلمنا أن هناك أشياء معينة يمكننا القيام بها لجعل تجربة التعلم أكثر فائدة، وإليكم بعض الأمثلة مثل تقصير وقت المحاضرة وخلق تعلم هادف - وهذه أشياء ليست بجديدة - لكن الوباء دفعنا إلى إدراك مدى أهمية هذه العناصر. وغالبًا ما ستكون هناك تحديات كبيرة في المستقبل مثل كيفية تقليل عجز تعلم الطلاب المتراكم لمدة عامين؛ كيفية تقليل أوجه عدم المساواة الذي كان واضحًا جدًا بسبب نقص الوصول إلى التكنولوجيا؛ وكيفية الحفاظ على تحفيز الطلاب إذا استمروا في التعرض لبعض تجارب التعلم المدمج؛ وكيفية إجراء الاختبار والتقييم «أونلاين»؛ وكيفية تحقيق التعلم المدمج الذكي».
استعداد الطلاب للإبداع والتميز لا يقل أهمية عن استعدادهم للعثور على وظائف
تساءل د. مارموليجو: «كيف نضمن أن تتماشى الخيارات المتاحة مع احتياجات سوق العمل؟ وذلك في غياب أجوبة واضحة عن الحاجة في سوق العمل، هذه حقيقة نواجهها في عالمنا وليس فقط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بل إنها مشكلة يواجهها العالم بأكمله. نحن بحاجة إلى تركيز أعمق على قابلية التوظيف وريادة الأعمال، كما أننا نحتاج إلى التأكد من أن الطلاب ليسوا مستعدين فقط للعثور على وظائف، بل والإبداع والتميز كذلك. نحن بحاجة إلى إنشاء المزيد من برنامج الجسر الأكاديمي بين المستويات السابقة للتعليم ونظام التعليم العالي كما هو الحال في مؤسسة قطر، فلدينا برنامج الجسر الأكاديمي الذي يهدف بشكلٍ أساسي إلى الانتقال السلس بين مرحلة ما قبل الجامعة والجامعة؛ نحتاج إلى معرفة ما يحدث مع الخريجين، هل يقومون بتطبيق ما تعلموه، وبأي طريقة كانت تجربتهم في التعليم مفيدة في حياتهم المهنية. وكذلك بالطبع نحن نعلم أن الحكومات يمكنها القيام بالعديد من الأشياء، ولكن أيضًا على مؤسسات التعليم العالي أن تفعل المزيد لأننا إذا كنا نتوقع أن تظهر هذه المعلومات بطريقة سحرية لكي نتعلم منها، فلن يحدث ذلك».
أهمية قمة 2022 في وضع الخطط المناسبة للنهوض بالتعليم العالي في المنطقة
قال د. مارموليجو: «باختصار، لدينا فرصة فريدة من نوعها اليوم لمراقبة التعليم العالي، ألا وهي هذه القمة لعام 2022. وهذا هو السبب في أنني ممتن للغاية بتفاعلي معكم اليوم لأنكم ستكونون قادرين على الاستفادة من ذلك. وهو ما لم يكن متاحًا من قبل. ففي كثير من الأحيان في التعليم العالي نلوم مرحلة ما قبل التعليم الجامعي على أنها الجاني في كل شيء».
اكتساب المهارات يجب أن يتحقق قبل الوصول إلى مرحلة التعليم العالي
«عندما نتحدث عن المهارات التي ستكون مطلوبة للمستقبل، فقد أظهرت الأدلة أنه بحلول الوقت الذي يصل فيه الطالب إلى التعليم العالي، يكون قد فات الأوان بالنسبة لهم لاكتساب المهارات. لأن الطالب في عمر الثمانية عشر عامًا، يكون قد اكتسب بالفعل سلوكًا، ووقتها لن يكون قادرًا على وقف وتغيير هذا السلوك. ولكن، إذا بدأنا بمستويات تعليمية سابقة، بحلول الوقت الذي يصلون فيه إلى مستويات أعلى من التعليم الجامعي، سيكون الوضع مختلفًا».
التجربة التعليمية الحقيقية تساعد الطالب على التحليل والتقييم وخلق المعرفة
«يجب أن ندرك أن هناك الكثير مما يجب القيام به في مؤسسات التعليم العالي لدينا في إدراك أن الطلاب يتعلمون ليس فقط داخل الفصل ولكن خارجه أيضًا. علينا أن نبتعد عن تلك الفكرة التي تقول أنه لا يمكنك أن تحصل على التعليم إلا من خلال المعلم، هذه فكرة خاطئة. اليوم نحتاج إلى المرونة الحقيقية في عروض التعليم العالي لدينا؛ نحتاج إلى الاستفادة في تقديم التعليم المختلط؛ نحتاج إلى ربط الجامعات بشكلٍ أكثر فاعلية بالمجتمع وبالجامعات؛ وإلى بذل المزيد من الجهد لتمكين الطلاب وتشجيعهم على تعلم المزيد بأنفسهم؛ نحن بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد للاستفادة من التكنولوجيا، ولدينا أيضاً فرصة لمراجعة وإدراك أهمية المنهج؛ فالطلاب في مؤسساتنا يتم تدريبهم على الحفظ والتذكر تحضيراً للاختبار الذي سينسونه لاحقًا. يجب علينا أن ندرك أن التجربة التعليمية الحقيقية تساعد الطالب ليس فقط على التذكر، بل أيضاً تحليل وتقييم وخلق المعرفة. علينا أن نحرص على ربط الطلاب مع الواقع من حولهم».
واختتم حديثه قائلًا: «أنا أحلم بمؤسسات أكثر تنوعًا؛ مؤسسات قادرة على تحمّل المخاطر؛ قادرة على التعاون فيما بينها. وأنصحكم بأن تقوموا بالتعاون بشكلٍ أكبر. وهذا يختلف عن مجرد تقديم المساعدة. فتقديم المساعدة يعني فقط أن نستمر جميعنا في فعل ما نريده. أما التعاون، فهو الوصول وتوضيح وخلق أو ابتكار أمور جديدة. وهذا ما علينا أن نقوم به في الشرق الأوسط، يمكننا أن نتعاون بهذه الطريقة. وفي حالتنا، نحن نسعى لعقد قمة للتعليم للاتفاق على أن التعليم العالي سوف يكون له معنى وقيمة أكبر في المستقبل. وسيكون أكثر فاعلية، لا سيما في ظل التحديات التي سوف نواجهها في المستقبل أيضًا. وسوف أختم بهذا الاقتباس «العالم لم يعد كما كان». ويمكنني أن أؤكد لكم أن المستقبل لن يكون بأي حال من الأحوال مثل الماضي، لذا علينا أن نتعاون معاً».
www.aum.edu.kw