حماة في قبضة الفصائل السورية وهجوم بالمسيّرات على دمشق
الجولاني يدعو إلى «فتح بلا ثأر» ويطالب السوداني بمنع «الحشد» من الانخراط بالصراع
• اجتماع إيراني ـ سوري ـ عراقي في بغداد عشية لقاء «ثلاثي أستانة» بالدوحة
بعد نحو أسبوع من سقوط مدينة حلب، ثاني أكبر مدن سورية، في قبضة الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا و«هيئة تحرير الشام» المتشددة، حققت القوات المعارضة التي انطلقت من شمال البلاد تقدماً ميدانياً جديداً، ودخلت مدينة حماة عقب تمكنها من اختراق دفاعات وتحصينات قوات حكومة دمشق التي تقهقرت وأعلنت إعادة انتشارها خارج المدينة الواقعة بوسط البلاد بهدف «حماية المدنيين» أمس.
وخاضت القوات المعارضة التي تضم خليطاً من الفصائل المسلحة وتقودها «تحرير الشام» معارك ضارية مع قوات حكومة الرئيس بشار الأسد عند تخوم المدينة، قبل أن تنتقل المعارك إلى أحياء المزاريب والصناعة والأربعين رغم الإسناد الجوي من الطائرات الحربية السورية والروسية للقوات النظامية.
وتمكنت القوات المعارضة من السيطرة على عدة مناطق في حماة، وأعلنت سيطرتها على مطار المدينة العسكري والسجن المركزي بها، وأطلقت مئات السجناء منه بعد انسحاب القوات الحكومية. كما أفيد بأن الجيش انسحب من قاعدة جبل زين العابدين بعد 48 ساعة من المعارك المكثفة بالمنطقة التي تمثل مفتاحاً لحماية مدينة حماة.
تقهقر وتطمين
وذكرت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية أنه «على مدى الأيام الماضية، خاضت قواتنا المسلحة معارك ضارية لصد وإفشال الهجمات العنيفة والمتتالية التي شنتها التنظيمات الإرهابية على مدينة حماة من مختلف المحاور وبأعداد ضخمة مستخدمة كل الوسائط والعتاد العسكري، ومستعينة بالمجموعات الانغماسية».
وقال الجيش: «ومع اشتداد المواجهات بين جنودنا والمجموعات الإرهابية وارتقاء أعداد من الشهداء في صفوف قواتنا تمكنت تلك المجموعات من اختراق محاور عدة في المدينة ودخولها، رغم تكبدهم خسائر كبيرة في صفوفهم. وحفاظاً على أرواح المدنيين من أهالي مدينة حماة وعدم زجهم في المعارك داخل المدن، قامت الوحدات العسكرية المرابطة فيها بإعادة الانتشار والتموضع خارج المدينة».
وأكد القيادة العامة أنها «ستواصل القيام بواجبها الوطني في استعادة المناطق التي دخلتها التنظيمات الإرهابية».
في المقابل، أطل زعيم «هيئة تحرير الشام» وقائد إدارة العمليات العسكرية التي تطلق عليها المعارضة «رد العدوان» أبو محمد الجولاني، الذي استخدم اسمه الحقيقي أحمد الشرع في البيانات الرسمية، أن عناصر الفصائل المسلحة دخلوا حماة بـ «فتح لا ثأر فيه» في محاولة لتهدئة المخاوف التي ثارت بشأن دخول القوات المعارضة إلى المدينة التي تبعد أقل من 50 كيلومتراً عن مدينة مصياف التي يتواجد بها المكون العلوي الذي يتحدر منه الرئيس السوري.
وفي ظل تحذيرات من احتمال وقوع مجازر مذهبية تستجلب تدخلاً إقليمياً ودولياً جديداً، حث الجولاني رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على عدم السماح لـ«الحشد الشعبي»، الذي يضم فصائل مرتبطة بإيران بالتدخل في الصراع السوري.
وقال الجولاني، في فيديو لافت ظهر فيه وهو يستمع إلى كلمة للسوداني حذر فيها من أن الأحداث الإقليمية تحيط بالعراق، وأن بغداد لن تقف مكتوفة الأيدي أمام جرائم التطهير بالجوار: «ليست الثورة معنية بما يجري في العراق بل تطمح لبناء علاقات استراتيجية وأواصر اجتماعية نعززها عقب انهيار النظام المجرم»، مضيفاً: «نطمح من السياسيين العراقيين والسيد السوداني أن ينأى بالعراق عن التدخل كما نجح في النأي ببلده عن الحرب التي تخوضها إيران في المنطقة».
وظهر الجولاني في فيديو جديد وسط أنصاره وهو يلوح لهم ويظهر في التسجيل صوتا يطالب أهالي مدينة حمص القريبة بوسط البلاد ودرعا في الجنوب ودير الزور قرب الحدود العراقية بالاستعداد، في حين ترددت أنباء عن دفع القوات المعارضة لرواتب موظفي بعض الإدارات الحكومية التي سيطروا عليها أخيرا في حلب وإدلب وإعلانهم إخراج القوات المسلحة منها وتركها لهيئة انتقالية بهدف طمأنة الشارع ومنع اندلاع موجات نزوح كبيرة.
قائد هيئة تحرير الشام احمد الشرع (ابو محمد الجولاني) نطمن اهلنا السوريين "لا ثأر مع اهلنا "#حماه#احمد_الشرع#ابو_محمد_الجولاني#سوريا_تتحرر pic.twitter.com/PzPUN85EXZ
— عوض شقير (@alshqarain) December 5,2024
وبينما أمرت «تحرير الشام» مقاتليها في حلب، بالخروج منها والتوجه لجبهات القتال المشتعلة، بعد إتمام إجراءات تأمين المدينة، أصدر تنظيم «القاعدة»، بياناً يدعم فيه الهجوم بقيادة الهيئة السورية ضد حكومة دمشق وحلفائها.
وفي حين أفادت تقارير بسماع دوي انفجارات جراء اعتراض طائرتين مسيّرتين للمعارضة فوق دمشق، نصحت سفارة الصين رعاياها بالمغادرة أو العودة للبلاد في أقرب وقت ممكن بسبب تصاعد المخاطر الأمنية في سورية.
استعجال إيرانيوفي ظل التراجع السريع والمفاجئ للقوات الحكومية في مواجهة الهجوم المعارض الذي اكتسب زخماً بسقوط حماة، ذكرت مصادر لـ «الجريدة»، أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي سيزور بغداد اليوم، حيث سيُعقَد اجتماع عراقي ــ إيراني ــ سوري، لبحث التطورات «وسبل مكافحة الإرهاب»، وذلك قبل الاجتماع الوزاري الروسي ــ التركي ــ الإيراني الذي سيُعقَد غداً على هامش منتدى الدوحة في إطار مسار أستانة لحل الأزمة السورية.
وأوضحت أوساط سياسية عراقية، أن طهران تسعى لجر بغداد نحو الاشتراك عسكرياً في الأحداث الجارية في سورية، مع الضغط لإنشاء غرفة عمليات عسكرية استخبارتية مشتركة بين روسيا والعراق وإيران وسورية.
وبينما أظهرت صور تعزيزات عراقية عسكرية على الحدود السورية بمختلف الصنوف لحمايتها، بما في ذلك قوات «الحشد الشعبي» وسط مخاوف من تكرار سيناريو منتصف عام 2014، عندما تمكن تنظيم داعش من اكتساب مناطق عراقية تقدر بثلث مساحة البلاد، تحدثت تقارير عن طلب الأسد من رئيس الوزراء العراقي دعماً لمواجهة قوات المعارضة السورية في ظل انشغال إيران و«حزب الله» اللبناني بالمواجهة مع إسرائيل وسحب روسيا لأصولها العسكرية الجوية لتغطية المجهود الحربي بأوكرانيا.
وقبل توجهه إلى بغداد، شدد عراقجي في اتصال هاتفي مع نظيره المصري بدر عبدالعاطي على دعم إيران الثابت لسورية حكومة وجيشاً وشعباً في مكافحة المجموعات الإرهابية.
وحذر عراقجي من أن نشاط التنظيمات المسلحة في سورية وانتشارها في المنطقة «يشكل خطراً جاداً على السلام والاستقرار والأمن في المنطقة».
من جهته، أكد عبدالعاطي دعم القاهرة لحكومة دمشق، موضحا أنه بحث التطورات في سلسلة اتصالات مع نظرائه الإقليميين. وجدد رفض القاهرة الكامل لإثارة النعرات الطائفية أو المساس بسيادة الدول ووحدة وسلامة أراضيها.
روسيا تقيّم الوضع لتحديد حجم المساعدة وبكين تنصح رعاياها في دمشق بالمغادرة فوراً
تقييم روسي
وفي موسكو، أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أن روسيا تتابع التطورات عن كثب، وعلى تواصل دائم مع دمشق.
وأضاف: «بناء على تقييم الوضع، سنتمكّن من الحديث عن مستوى المساعدة التي تحتاج إليها السلطات السورية للتصدي للمسلحين، والقضاء على هذا التهديد».
وجاء ذلك بعد أن رفضت وزارة الخارجية الأوكرانية اتهامات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لكييف بدعم وتسليح المعارضة السورية بما في ذلك بطائرات مسيّرة.
وذكرت الخارجية الأوكرانية أن كييف، على النقيض من موسكو، ملتزمة بالقانون الدولي دون قيد أو شرط، موضحة أن روسيا وإيران مسؤولتان عن تدهور الوضع الأمني في سورية.
المشاهد الأولى لتحرير إدارة العمليات العسكرية للسجناء من #سجن_حماة_المركزي أكثر من 3000 سجين #ردع_العدوان pic.twitter.com/YSYOQkHPax
— القناص (@Abdalaz99475856) December 5,2024
ووسط تساؤلات عن طبيعة الدور التركي وحجم المساندة التي تقوم بها أنقرة للقوات السورية المعارضة التي تعتمد عليها لإبعاد التنظيمات الكردية السورية التي تتهمها بتغذية التمرد العابر لحدودها، ذكرت وزارة الدفاع التركية، أن حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان تعاونت ونسقت بشكل وثيق مع نظرائها الإقليميين منذ أن بدأت الأحداث في شمال سورية الأسبوع الماضي، مضيفة أنه يجري اتخاذ تدابير لتحقيق الاستقرار ومنع «تنظيم بي كي كي/ واي بي جي الإرهابي، الذي يشكل تهديداً خطيراً لوحدة أراضي سورية وسيادتها وأمن منطقتنا، للاستفادة من حالة عدم الاستقرار».