في خطاب صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الصباح، حفظه الله ورعاه، الذي ألقاه في مجلس الأمة في ديسمبر من العام الماضي، أكد سموه على أن السلطتين التشريعية والتنفيذية تعاونتا على الإضرار بمصالح البلاد والعباد، وما حصل من محاولات تغيير للهوية الكويتية، دليل على مدى الإضرار بمصالح البلاد ومكتسباتها الوطنية، وكأنها كانت صفقة تبادل مصالح ومنافع بين السلطتين على حساب الوطن والمواطنين. وأكد سموه في الخطاب ذاته ضرورة إدراك حجم المسؤولية، والتمسك بالوحدة الوطنية لضمان البقاء، مما يستدعي شيوع «أجواء التفاؤل وبث روح الأمل لتحقيق الطموح المنشود، وضرورة التأني والتريث في إصدار القوانين والقرارات التي لها تأثير على المكتسبات الوطنية، حفاظا على الهوية الكويتية، وتعزيزاً للمواطنة الحقة للكويتيين الذين يؤمنون بأن الكويت هي البقاء والوجود، وأن الولاء لها».
في أربعينيات القرن الماضي استطاعت ثلاث شبكات تلفزيونية (ABC، CBS، NBC) أن تبث برامجها لكل الولايات المتحدة الأميركية دون قيود، فحققت أرباحاً مجزية بهذا الانتشار، فشجع مئات المستثمرين لطلب ترخيص بث تلفزيوني بمختلف الولايات الأميركية، ولأن هيئة الاتصال الفدرالية الأميركية أو (FCC) لم تقدر على منح تراخيص جديدة كتلك التي حصلت عليها الشبكات الثلاث، تلافياً لفوضى إعلامية وتداخل في موجات أو ترددات الإرسال التلفزيوني بين محطات البث، ولأن (FCC) تجاهلت منع شبكات التلفزيون الثلاثة من احتكار الإرسال التلفزيوني في مختلف الولايات منذ البداية، ولأنها تعرف أن التدخل المتأخر في شأن هذه الشبكات «المتنفذة» قد ينتج عنه خسائر فادحة لشبكات التلفزيون وللحكومة الأميركية، اضطرت (FCC) حينها إلى إصدار تعديل على قانون الإعلام ترخص بموجبه لمحطات التلفزيون الجديدة العمل بولاية واحدة فقط، وبمحيط دائرة إرسال قطرها 50 ميلاً فقط، مع السماح لشبكات التلفزيون الثلاثة بمواصلة العمل بمحطاتها التلفزيونية كما كانت في السابق.
ما تداركته هيئة الاتصال الفدرالية الأميركية لمنع الفوضى الإعلامية قبل فوات الأوان، لم تتداركه الحكومات الكويتية المتعاقبة لمنع الفوضى السيادية، بل تركت الحبل على الغارب لعقود من الزمن، كما حصل مع قضية «البدون»، وتزوير الجناسي وغيرها، حتى تفاقم الوضع ليتدخل صاحب السمو الأمير بنفسه للحفاظ على الهوية الكويتية وحماية الكويت من الضياع، فما حصل في الولايات المتحدة الأميركية إعلامياً خلال أربعينيات القرن الماضي، لم يحصل في الكويت سيادياً خلال العقود الأربعة الماضية حتى «طاح الفاس بالراس». اليوم يتحدث الكويتيون عن سحب الجنسية الكويتية من فئات «متنوعة» من الكويتيين، وهم بعشرات الألوف، ومن بينهم كويتيون حصلوا على شرف الجنسية الكويتية بالطرق القانونية قبل أكثر من أربعة عقود، ثم فجأة وبدون سابق إنذار تسحب أو تسقط الجنسية الكويتية عن كثير من هذه الفئات بسبب خطأ وقع فيه مسؤول حكومي سابق قبل عقود من الزمن، وكأن كل الكويت ستصير «بدون». أنا أعرف أن رئيس مجلس الوزراء بالإنابة الموقر يبذل جهوداً مضنية لتطبيق القوانين لحماية الهوية الوطنية، دون أن يطلع غالبية الشعب على تفاصيل تحقيق هذا الهدف، في المقابل وبوجود هذا الكم من وسائل التواصل الاجتماعي، ينتابنا شعور وكأن كل الكويتيين «بدون»، بسبب غياب المتحدث الرسمي للحكومة لتوضيح ما يتم تحقيقه من إنجازات وطنية، وبسبب استغلال المندسين بيننا لهذه الفرصة لتفسير أوضاع الديرة «على كيفهم» لا كما تراه الحكومة الموقرة، استمعت لمقاطع فيديو نشرها كل من الأستاذ المحامي سعود الشحومي، والأستاذ المحامي خالد الزامل، والأستاذ فهد الجنفاوي، لشرح تفاصيل ما يجري حولنا، فشعرت ولو مؤقتاً بالراحة النفسية حيال الوحدة الوطنية.
لهذا أتساءل: لماذا لا يكون للحكومة الكويتية الموقرة متحدث رسمي يشرح للمواطنين خبايا الأمور القانونية حتى لا ننجر مع تيارات النفوس المريضة فنقع ضحية لتفسيرات غير واقعية؟