الثورة السورية هي إلياذة يجب أن تُخلَّد في التاريخ، هي إلياذة حقيقية لو كان سمع بها الشاعر الإغريقي هوميروس لنسف إلياذته الشهيرة! إنها ثورة شعب وقف العالم كله ضده، ما بين عدو يُجاهر بخصومته، ومتآمر يخفي خنجره، ومتفرج كأنه لا يرى، وخائن لا يخجل، وخانع قد ماتت فيه نخوة المروءة، شعب أعزل واجهت عزيمته كل أسلحة العالم: الطائرات، وقنابل الفوسفور، وبراميل البارود، وأساطيل الموت، شعب يرى أمام عينيه الأطفال يحرقون، والنساء تُذبَح، والعجائز تُمزَّق أشلاؤهم، ومع ذلك، ظل صابرًا رابط الجأش، لا يشتكي عجزه وضعفه إلّا إلى الله.
وبين هذا الشعب المستضعف وهذا الإجرام العالمي، وقفت مجاميع من المجاهدين والثوار، أولئك الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وقفوا أمام ترسانة عالمية، أمام جيوش مدججة بأحدث العتاد، أمام طائرات تُرسل الموت من السماء، وصواريخ تُغرق الأرض نيرانا.
كانوا يخاطبون أنفسهم في خضم المعركة، يصبرونها ويثبتونها:
«وَقَوْلِي كُلَّمَا جَشَأَتْ وَجَاشَتْ
مَكانَكِ، تُحْمَدِي أَو تَسْتَرِيحِي!»
مجاهدون طباعهم كالجِبال الراسيات، بل إن جباههم تناطح تلك الجبال الشمّ شموخا وثباتا، يحملون على عواتقهم مسؤولية نصرة المستضعفين، في وقت تخاذل فيه القريب، وتآمر البعيد، وتكالب عليهم الأعداء بعدتهم وعتادهم، في حين الخانعون يتفرجون ببرود، والخونة يطعنونهم في الظهر بخسة لا يُجارَى لها مثيل.
فأي ثبات أسطوري هذا؟! وهل تكفي هذه الملحمة أن تكون عنوانًا للثورة السورية؟ وهل تستحق أن تُخلَّد في إلياذة تُكتب بسطور من الصبر والصمود والكفاح؟