تواجه الحكومة الكويتية، كغيرها من الحكومات، تحديات اقتصادية تتطلب توازناً دقيقاً بين خفض النفقات وزيادة الإيرادات لتحقيق الفوائض وتجنب العجوزات.
هذه الفوائض ليست مجرد أرقام مالية، بل هي مفتاح لنمو الاقتصاد ورفاهية الأفراد.
ومع ذلك، نجد أن التحدي في الكويت يأخذ أبعاداً مختلفة بسبب طبيعة سياساتها الاقتصادية الحالية.
العنصر الأكبر في الإنفاق الحكومي هو الرواتب والدعومات، حيث تلتهم هذه البنود 80 في المئة من الميزانية العامة.
سياسة «صفر بطالة»، التي تُلزم الحكومة نفسها بتوظيف جميع المخرجات التعليمية دون النظر إلى مستوياتها أو الحاجة الفعلية، تسببت في وضع فريد عالمياً، إذ يعمل 85 في المئة من الكويتيين في القطاع الحكومي، وهذا الاعتماد الكبير على التوظيف الحكومي يخلق ديناميكية اقتصادية غير مستدامة، خصوصاً مع الزيادة السنوية في أعداد الباحثين عن العمل.
لمواجهة هذه الضغوط، لجأت الحكومة في الآونة الأخيرة إلى تثبيت الرواتب، مما يؤدي إلى إفقار المواطن نتيجة تآكل القدرة الشرائية بفعل التضخم السنوي الذي يتراوح حول 3 في المئة.
كما اتبعت سياسات لزيادة الرسوم على الخدمات العامة وتعزيز العقوبات والغرامات، والأسوأ من ذلك أن هناك مَن يشير إلى اعتماد إجراءات أكثر حساسية، مثل فقد أو سحب الجنسية، كوسيلة للحد من الأعباء المالية المرتبطة بالمواطنين.
من جهة الإيرادات، تعتمد الكويت بشكل أساسي على مصدرين رئيسيين: النفط وصندوق الاستثمارات العامة.
النفط، رغم أهميته، يظل خارج نطاق السيطرة بسبب التقلبات العالمية في أسعاره، مما يجعل الميزانية عرضة للتذبذب المستمر، أما صندوق الاستثمارات العامة، فلم تُستخدم عوائده بعد لرفد الميزانية، وهو بدوره عرضة لتقلبات الأسواق العالمية.
اليوم تقف الحكومة على مفترق طرق مصيري، حيث باتت السياسات الحالية، رغم مرونتها على المدى القصير، غير كافية لتحقيق التوازن المالي وتجنب العجوزات المتزايدة، مما يؤدي بشكل مباشر إلى تراجع مستوى معيشة المواطنين.
وأمام الحكومة ثلاثة خيارات أساسية، الأول يتمثل في الاقتراض، وهو خيار سهل التنفيذ لكنه يحمل في طياته مخاطر متعلقة بتراكم الديون وتأثيرها السلبي على الاستقرار المالي على المدى الطويل، أما الخيار الثاني فهو السحب من صندوق الاستثمارات العامة، وهو خيار أكثر تعقيداً ولا يقل خطورة، نظراً لما قد يترتب عليه من تسييل أصول مدرة للعوائد، ما يؤدي إلى تقويض القدرة المستقبلية على تحقيق إيرادات مستدامة.
في المقابل، يكمن الخيار الثالث في تبني استراتيجية لتكبير «الكيكة» الاقتصادية، وهو الخيار الأكثر استدامة لكنه يتطلب إرادة سياسية وشجاعة لاتخاذ قرارات فورية صعبة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل والاعتماد بشكل أكبر على الاقتصاد المعرفي والاستثمارات غير النفطية.
ويعتمد الخيار الثالث على بناء اقتصاد معرفة قوي يرتكز على تعليم متميز، وخلق بيئة جاذبة لرؤوس الأموال المحلية والأجنبية، مع تعزيز الصادرات غير النفطية، كما يتطلب تقليل «الأكل من الكيكة» عبر إيقاف التوظيف السياسي في الحكومة وتوجيه الباحثين عن العمل نحو القطاع الخاص بسياسات صارمة وامتيازات ترتبط بتوظيف العمالة الوطنية.
الفرصة لا تزال متاحة لتغيير المسار، لكن ذلك يتطلب قرارات جريئة تعيد رسم ملامح الاقتصاد الكويتي ليصبح أكثر استدامة وعدلاً للأجيال القادمة.