حدثوا العاقل بما يعقل
ليس كفاية أن يكون في الدولة قانون ينظم علاقات الأفراد فيما بينهم، وعلاقة السلطة مع المجتمع، بل المحك هو المؤسسات التي تقوم بتطبيق القانون والبناء الاجتماعي لهذه المؤسسات التي رافقت إصدار القانون.
الآن أصدرت السلطة قانوناً بسحب جنسيات زوجات ومطلقات وأرامل الكويتيين، بناء على اجتهاد قانوني يقوم على أن صرف الجنسية للكثير من الحالات كان خطأ قانونياً، إذ كان يفترض أن تصدر مراسيم بها، ولم يكن كافياً قرارات وزير الداخلية بمنح الجنسية، وانبرى البعض مدافعاً عن «شرعية» سحب الجنسية لهذه الحالات، بمثل هؤلاء المجتهدين تصبح الأمور سهلة في التعبير عن فقه التبرير، فهم يستندون إلى حائط السلطة التي تملك قوة القهر واحتكار العنف.
آخرون وجدوا في سحب الجنسيات مولداً احتفالياً مارسوا فيه أصول التشمت والغطرسة بمن سحبت جنسياتهم، وكان لابد من الزج بروح التعالي العنصري، فهناك «مئات أو آلاف السريلانكيات والفلبينيات» حصلن على الجنسية بطريق الزواج، لاحظوا أن كلمة «سريلانكيات وفلبينيات» هي عادة تدخل في خانة الخادمات المنزليات اللواتي تجرأ أزواجهن على أن يرفعوهن من خانة الخدم لخانة الزوجة المواطنة، فيتساوى الوضع الاجتماعي للخادمة الآسيوية مع وضع السيدة الكويتية قانونياً وليس بالضرورة واقعياً، فكيف يحدث هذا؟! أليس هناك تلاعب في ملف الجنسية؟ ألم تصبح المادة الثامنة أداة تكسب لامتيازات الجنسية الكويتية؟!
الكثير يمكن أن يقال لمثل ذلك النهج المناقض للمنطق والعقلانية، فقرار سحب الجنسية لزوجات الكويتيين وآلية تنفيذه تم عبر «المؤسسات التي قامت بتطبيقه»، والتي وضعت مسطرة عمياء، ولم تفرق بين حالات التكسب من منح الجنسية وبين غيرها كسب أصحابها الجنسية وفق صحيح القانون الساري، والقانون هنا لا يقصد به «المرسوم» أو القرار «وإنما» الممارسة الواقعية للمؤسسات التي قامت بإصدار القانون وتنفيذه، فالذين حصلوا على الجنسية سواء عبر الزواج أو من خلال بند الخدمات الجليلة، ليس بخطأ أو تلاعب منهم، وإنما بممارسة من الجهات التي منحتهم الجنسية، فليس إذن خطأ هؤلاء الذين كسبوا الجنسية، وإنما هو خطأ السلطة التي أساءت أو ربما لم تسئ سلطتها وفق الظروف واختلاف كل حالة عن أخرى.
آخر الأمر، بأي حق تتم معاقبة الضحايا الذين يتم سحب جنسياتهم (هن) على خطأ لم يكن صدر منهم، وإنما بفعل السلطة ذاتها التي منحتهم بالأمس شرف المواطنة واليوم تقوم بسحبها منهم، ليصبحوا في خانة العدم القانوني... حدثوا العاقل بما يعقل.