مجرد حلم وأمل
لا نملك غير التمني ألا نكرر بيت الشعر «رب يوم بكيت منه... فلما صرت في غيره بكيت عليه» على حال سورية. هل من المتصور أن يأتي نظام قمعي بأكثر من قمع نظام عائلة بشار الأسد؟!... أمر يمكن تخيله مهما كان بعيداً الآن عن الخيال، فحين تهيمن على الدولة أيديولوجية دينية متشددة، فلا مكان، ليس فقط للحريات السياسية، بل حتى أبسط الحريات الإنسانية أي الحريات الفردية والاجتماعية.
طمأن قائد جبهة تحرير الشام، وهي رأس الحربة لثوار اليوم، بأن الجبهة قطعت كل ارتباط سابق لها مع تنظيم القاعدة وليس لها أي علاقة مع «داعش». صحف أميركية كبرى مثل الـ «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» تحلل ما يجري في سورية بأن هيئة تحرير الشام لم تعد كما كانت قبل عقد من الزمان، ليس كلاماً فقط وإنما ممارسة واقعية! ربما... ويقال إن هناك وعوداً من الجبهة بتبني التعددية السياسية وصيانة الحريات الدينية لمناطق الأقليات الطائفية والعرقية.
يا ليت، ذلك حديث سهل اليوم، إلا أن التجارب التاريخية والإرث الثقافي لشعوب المنطقة وتلاعب القوى الاستعمارية بالأرض العربية منذ لحظة ولادة الدولة المستقلة فيها بعد الحرب الكونية الثانية تخبرنا بغير ذلك، سورية التي كانت لها تجربة ديموقراطية فريدة بعد الاستقلال مع حرية أحزاب كاملة أيام شكري القوتلي لم تدُم طويلاً، فبعد انقلاب حسني الزعيم، الذي رعته الولايات المتحدة عام 49 من القرن الماضي، لم ترَ هذه الدولة، التي تُعَدّ قلب العالم العربي وموطن ولادة القومية العروبية، يوماً واحداً في دنيا الحريات والديموقراطية، انقلابات «البلاغ رقم واحد» لا حصر لها، هذا ما كانت عليه الأمور تاريخياً من ناحية.
ومن ناحية أخرى، سمعنا مثل تلك الوعود عن الحريات وحقوق المرأة من «طالبان»، بعد عودتهم للحكم بداية، ولم تمض غير فترة بسيطة حتى عادت حليمة لعادتها القديمة، فتم الحجر على تعليم المرأة وحرمانها من ممارسة الطب... وأيضاً كانت هناك الأحلام العريضة والبهجة الكبرى بعد إسقاط نظام العقيد معمر القذافي، فانظروا كيف أضحت ليبيا اليوم، وسقطت كل أنظمة التغيير في معظم الدول التي طالها الربيع العربي، فهل نملك الحلم الآن بأن الربيع العربي لم ينته، وها هو يعود إليها من عاصمة العرب الثقافية؟... مجرد حلم وأمل لا أكثر.