محكمة العدل الدولية والتغيير المناخي
يتزايد مع الأيام الاهتمام بالبيئة والتغيير المناخي ومختلف آثاره، وليس عنا ببعيد مؤتمر (كوب 29) الذي انعقد في العاصمة الأذربيجانية باكو من 11 إلى 22 نوفمبر من هذا العام، وكان الهدف من هذا المؤتمر الوصول إلى توافق بين الدول على خطط للتصدي لتغير المناخ وتطوير هذه الخطط وتبادلها، لم تكن النتائج التي خرج بها المؤتمر، ولا الأموال التي خصصت لتحقيق مخرجاته، على المستوى المأمول والمطلوب عند الناشطين والمهتمين بقضايا البيئة والتغيير المناخي، ولكن يبقى انعقاده والمؤتمرات القادمة خطوات مهمة وضرورية تتعلق بحماية البيئة والتصدي لكل ما يهدد كوكبنا من تغيرات وتلوث ومخاطر بيئية.
ونحن اليوم بصدد خطوة مهمة إلى الأمام بخصوص موضوع التغيير المناخي، وهي خطوة قانونية بامتياز تمثلت بداية في القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29/ 3/ 2023، والذي طلبت فيه من محكمة العدل الدولية، اعتمادا على المادة 96 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة، والمادة 65 من نظام هذه المحكمة، تقديم رأي استشاري بخصوص سؤالين:
1- ما الالتزامات الملقاة، وحسب القانون الدولي، على عاتق الدول بعضها بعضا وكذلك تجاه الأجيال القادمة فيما يتعلق بحماية المناخ والمكونات الأخرى البيئية في مواجهة الانبعاثات الحرارية؟
2- ما النتائج القانونية الملقاة، وتبعا لهذه الالتزامات، على عاتق الدول التي تسببت بأعمالها أو إهمالها بإحداث أضرار تؤثر على النظام المناخي والمكونات البيئة الأخرى، وفيما يخص:
- الأضرار التي لحقت ببعض الدول، ومن بينها الدول الصغيرة التي هي على شكل جزر، وبالنظر لوضعها الجغرافي ومستواها التنموي، وكذلك بخصوص الآثار السلبية عليها بسبب التغيير المناخي علما أن هذه الدول هشة في مواجهة هذه الآثار؟
- الأثار السلبية لتغير المناخ على الشعوب والأفراد والأجيال الحالية أو المستقبلية؟
وتم نقل طلب الرأي الاستشاري إلى محكمة العدل الدولية عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 12/ 4/ 2023، وقررت رئاسة المحكمة، وبتاريخ 20/ 4/ 2023، بأنه يمكن لمنظمة الأمم المتحدة وللدول الأعضاء تقديم معلومات بخصوص الأسئلة المطروحة على المحكمة، وحددت تاريخ 20/ 10/ 2023 كآخر موعد لتقديم العروض الكتابية المتعلقة بهذه الأسئلة، وتاريخ 22/ 1/ 2024 كآخر تاريخ لانتهاء المهلة التي يمكن خلالها للدول والمنظمات تقديم تعليقاتهم على هذه العروض، وتم لاحقا تمديد المدة إلى 15/ 8/ 2024. والمهم الآن هو تحديد رئاسة محكمة العدل الدولية لتاريخ 2/ 12/ 2024 لبدء جلسات الاستماع للعروض الشفهية التي ستقدمها الدول بخصوص طلب هذا الرأي الاستشاري، وتأتي هذه العروض لاستكمال العروض الكتابية وتسمح للدول وبشكل مباشر وعلني بالدلو بدلوها وإبداء رأيها في موضوع التغيير المناخي وما تنتظره من المحكمة بفضل الرأي الاستشاري الذي ستصدره.
ونشر الموقع الإلكتروني للمحكمة تواريخ وقائمة بأسماء الدول التي ستقدم عروضها الشفهية، أما الدول العربية التي قدمت وستقدم هذه العروض، فهي وحسب تواريخ التقديم: المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، والكويت، ودولة فلسطين، والسودان، وسورية.
سيسمح طلب هذا الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية أن تؤدي دورا قانونيا وحيويا جديدا، وقد كنا قد اعتدنا عليها كهيئة قضائية دولية تصدر القرارات والأحكام لفض النزاعات بين الدول، أو لأبداء آراء تبعا لأوضاع سياسية ودبلوماسية معينة، وستسعى هذه المحكمة وبفضل هذا الطلب لتقديم رأي استشاري يتعلق بظاهرة خطيرة تهدد كوكبنا وسكانه والأجيال القادمة ونقصد بها التغيير المناخي، كما أنها ستبين رأيها في واجبات الدول والتزاماتها بخصوص مكافحة هذه الظاهرة واستدراك ما فات المجتمع الدولي أن يقوم به خلال عقود طويلة بقصد حماية البيئة بكل مكوناتها.
* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا.