يعرف الاحتيال الإلكتروني بأنه نشاط إجرامي يستغل التكنولوجيا الحديثة لسرقة المعلومات الشخصية أو المالية للأفراد والمؤسسات العامة والخاصة، ومن أبرز أساليبه «التصيد الاحتيالي» (phishing) الذي يتم من خلال إرسال رسائل وهمية بعبارات جذابة تزعم أنها صادرة من مصادر موثوقة، مثل البنوك، بهدف خداع الضحايا لتقديم بيانات حساسة مثل كلمات المرور.
وفي السياق يمكن للبرمجيات الخبيثة (malware) التي غالبًا ما يتم إرسالها عبر رسائل التصيد الاحتيالي أن تختبئ داخل برامج تبدو بريئة أو تنتشر بين الأجهزة بشكل ذاتي ودون علم المستخدم، متجاوزة برامج مكافحة الفيروسات، لتنفيذ مهام خبيثة مثل التجسس على الأنشطة، وتدمير البيانات، أو سرقة كلمات المرور المشفرة، مما يجعلها تشكل تهديدًا خطيرًا للأمن السيبراني.
بالإضافة إلى ذلك، تشمل أساليب الاحتيال الإلكتروني الشائعة «برامج الفدية» (ransomware)، التي تعمل على تشفير بيانات المستخدم بغية المطالبة بفدية مقابل فكها، وكذلك «التسويق الاحتيالي» (scam marketing) الذي يوهم المستهلكين بوجود سلع قيمة بأسعار مغرية لجذب الضحايا نحو إجراء صفقات مخادعة.
الآثار السلبية للاحتيال الإلكتروني
خلصت تقارير حديثة إلى أن الاحتيال الإلكتروني تسبب في خسائر ضخمة على المستوى العالمي، وفي الاطار توقعت شركة Cybersecurity Ventures أن تزداد الخسائر الناتجة عن الجرائم الإلكترونية العالمية بنسبة 15% سنويًا على مدى السنوات الخمس المقبلة، لتصل إلى 6 تريليونات دولار هذا العام و10.5 تريليونات دولار في عام 2025، هذا بالمقارنة مع 3 تريليونات دولار في عام 2015، الأمر الذي يؤكد على أهمية تضافر الجهود المحلية والعالمية لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة.
وقد تأثرت الشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل خاص، حيث أفادت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بأن حوالي 60% من هذه الشركات قد أغلقت أبوابها بعد تعرضها لهجمات إلكترونية بسبب عدم قدرتها على تحمل الخسائر.
من ناحية أخرى، تمتد آثار الجرائم الإلكترونية الى الأضرار النفسية، حيث تترك جروحًا نفسية عميقة في نفوس الضحايا، فالشعور بالقلق المستمر، والاكتئاب، وفقدان الثقة، والإحراج، وصعوبة التركيز والنوم، والغضب، والخوف من التكنولوجيا، كلها مشاعر سلبية قد تدفع الضحايا الى العزلة مع اضطراب حياتهم اليومية وعلاقاتهم الاجتماعية.
أسباب انتشار الاحتيال الإلكتروني
تعددت أسباب انتشار الاحتيال الإلكتروني، ويأتي في مقدمتها نمو منصات التواصل الاجتماعي وارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت في العالم إلى 5.16 مليارات شخص في 2023، أي ما يقارب 64.6% من سكان الكرة الأرضية، مما شكّل بيئة خصبة للمحتالين ومروحة واسعة من الشرائح الاجتماعية المستهدفة.
من جهة أخرى تسهم قلة الوعي بالمخاطر المعلوماتية وضعف تدابير الأمن السيبراني لدى العديد من المستخدمين في زيادة فرص انتشار ونجاح المحاولات الاحتيالية، هذا بالإضافة إلى التطور المستمر في تقنيات الاحتيال، إذ يحرص المحتالون على تطوير أساليبهم لاستهداف الأفراد والمؤسسات بشكل أكثر تعقيدًا.
وقد كشف استطلاع للرأي أجرته شركة الاستشارات البريطانية «مان بايتس دوغ» في سبتمبر الماضي أن الشركات تواجه تهديدًا مزدوجًا من الجرائم الإلكترونية، فمن جهة، يتمكن القراصنة من اختراق أنظمة الشركات عبر نقاط ضعف في الخوادم السحابية، ومن جهة أخرى، يمثل الموظفون أنفسهم خطرًا كبيرًا، حيث يمكن خداعهم للكشف عن معلومات حساسة أو تنفيذ إجراءات ضارة.
بهدف الحماية من براثن الاحتيال الإلكتروني المتزايد، يقتضي اتخاذ مجموعة من التدابير الوقائية: كتجنب مشاركة المعلومات الشخصية الحساسة مثل كلمات المرور وأرقام بطاقات الائتمان عبر قنوات غير آمنة أو مع جهات غير موثوقة، اضافة الى التحقق من صحة الروابط والملفات المرفقة قبل فتحها، خاصة في الرسائل الإلكترونية التي تبدو مشبوهة أو تأتي من مصادر غير معروفة، ناهيك عن وجوب استخدام كلمات مرور قوية ومميزة لكل حساب مع تغييرها بانتظام.
ولا ننسى أهمية تفعيل أسلوب المصادقة الثنائية التي تضيف طبقة إضافية من الحماية للحسابات، ناهيك عن ضرورة تثبيت برامج مكافحة الفيروسات وبرامج الحماية من البرامج الضارة وتحديثها بانتظام، حيث تؤدي هذه البرامج دورًا حيويًا في اكتشاف وإزالة التهديدات، وذلك مع الحذر من استخدام شبكات الواي الفاي المفتوحة للعموم، وتجنب إجراء معاملات مالية حساسة عبر هذه الشبكات.
وبالطبع، هناك حاجة ماسة لبناء وتعزيز الوعي الرقمي من خلال متابعة آخر التطورات في مجال الأمن السيبراني والتعرف على أحدث أساليب الاحتيال الإلكتروني.
التعاون من أجل مكافحة الاحتيال الإلكتروني
تبذل الجهات المعنية في القطاعين العام والخاص في الكويت جهودًا حثيثة لتعزيز الأمن الرقمي، فإلى جانب هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، والمركز الوطني للأمن السيبراني، وإضافة الى ما تقوم به وزارة الداخلية ووزارة الإعلام من جهود تخدم الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني، لا تتوانى الشركات الخاصة ولا سيما البنوك والمؤسسات المالية عن إطلاق حملات إعلامية توعوية للمتعاملين معها.
وهذا ما يتفق ويتناغم مع الجهود المبذولة على الصعيد العالمي، من قبل الدول والمنظمات الاقليمية والدولية لمكافحة هذا النوع من الجرائم الالكترونية، حيث –على سبيل المثال- أطلق «الانتربول» و«اليوروبول» عدة مبادرات لتنسيق الجهود في هذا المجال، كما تم التوصل على المستوى الأوروبي الى اتفاقية بودابست لمكافحة الجريمة الإلكترونية في محاولة لردع الأعمال الموجهة ضد سرية وسلامة وتوافر نظم الكومبيوتر، وتجريم إساءة استخدام النظم والشبكات والبيانات.
وهذا لا يحيد النظر عن الدور المهم للأفراد في زيادة حرصهم ومعارفهم وتعزيز وعيهم بأهمية مواجهة الاحتيال الإلكتروني، اذ تشير دراسة أجرتها شركة «إيبسوس» عام 2022 الى أن الأفراد الذين حصلوا على تدريب حول الأمن السيبراني كانوا أقل عرضة لخسارة بياناتهم بنسبة 30% مقارنة بمن لم يحصلوا على التدريب.
المواجهة المتواصلة للتحديات
رغم التقدم التكنولوجي الكبير الذي تشهده الدول، ومنها الكويت، فإن الجهود المبذولة لحماية المؤسسات والأفراد من الاحتيال الإلكتروني لا تزال تواجه العديد من التحديات التي هي بطبيعتها مستمرة في هذا المجال الواسع والمعقّد.
ولسد أي فجوة في هذا المجال، من المهم التركيز على تعزيز الوعي المجتمعي، وتحديث التشريعات، وتوحيد الجهود الحكومية، وبناء القدرات البشرية في مجال الأمن السيبراني، وتعزيز التعاون الدولي، وتشجيع البحث والتطوير، وتطوير البنية التحتية الرقمية، بالإضافة الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في مجال الأمن السيبراني، وتبني الحلول التقنية الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتعزيز القدرة على تحليل البيانات واكتشاف التهديدات المتزايدة بشكل مبكر ومواجهتها بشكل احترافي.
* كاتب ومستشار قانوني.