سورية تخطو بسرعة باتجاه مرحلة انتقالية منظمة

اجتماع بين الجولاني ورئيس حكومة الإنقاذ والجلالي... والفصائل المسلحة ستنضوي في الجيش
• «القيادة العامة» تحذر من التعرض للحريات والأقليات وتسعى إلى حصر تفلّت السلاح

نشر في 10-12-2024
آخر تحديث 09-12-2024 | 20:29
بعد يوم واحد من سقوط نظام الأسد، خطت سورية سريعاً باتجاه مرحلة انتقالية تجنّب البلاد حالة من الفوضى وتقلل احتمالات الانزلاق إلى اقتتال داخلي، في وقت سعت القيادة الموحدة للفصائل إلى إصدار توجيهات لتجنّب سلوكيات قد تتسبب في توتر، مثل التعرض للأقليات والنساء، بينما صرح قيادي معارض بأن الفصائل المسلحة ستدمج ضمن الجيش.

غداة سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة الفصائل المعارضة على دمشق عقب هجوم خاطف لم يستغرق 11 يوماً من عدة محاور، أكدت تقارير متطابقة أمس، أنه سيتم تكليف المهندس محمد البشير رئيس حكومة المعارضة، التي كانت تدير إدلب منذ سنوات، بتشكيل حكومة مؤقتة لإدارة مرحلة انتقالية، عقب إجراء زعيم هيئة «تحرير الشام» أحمد الشرع الملقب بـ «أبومحمد الجولاني»، مشاورات مع رئيس الوزراء محمد الجلالي الذي تعهّد بتسليم السلطة سلمياً عقب فرار بشار الأسد إلى خارج البلاد.

وتردد تكليف البشير، وهو من مواليد إدلب ويحمل شهادة الهندسة الكهربائية من جامعة حلب، بالإضافة إلى شهادة في الشريعة والحقوق من جامعة إدلب، بعد الاجتماع الذي حضره مع الجولاني، قائد إدارة عمليات المعارضة المسلحة والجلالي، الذي تناول ترتيبات نقل السلطة وتجنب دخول البلاد في مرحلة عاصفة من الفوضى الشاملة.

في موازاة ذلك، أفيد بعقد اجتماعات مكثفة بين إدارة الشؤون السياسية للمعارضة التي تخضع حالياً لهيمنة «تحرير الشام»، التي أعلنت في وقت سابق انفصالها عن تنظيم القاعدة، مع بعثات دبلوماسية أجنبية لبحث الوضع الأمني والسياسي في سورية في أعقاب إسقاط نظام الأسد.

معتقل صيدنايا يكشف عن مآسيه ودول أوروبية تعلّق طلبات اللجوء للسوريين

وقالت إدارة الشؤون السياسية في دمشق إنها ستعمل على تهيئة الظروف وضمان بيئة آمنة لاستقبال السوريين العائدين، ودعت السوريين الذين أجبروا على مغادرة البلاد إلى العودة والمساهمة في بناء مستقبل بلدهم سلمياً بمرحلة تتطلب مصالحة مجتمعية شاملة مبنية على العدالة والمساواة وتعزيز علاقة سورية مع كل الدول على أساس الاحترام.

إعلان وتطمين

وفي محاولة لتخفيف المخاوف التي تثيرها بعض التوقعات المتشائمة بشأن فرض نظام متشدد في ظل سيطرة الحركات الإسلامية على العاصمة السورية، أصدرت القيادة العامة للمعارضة سلسلة قرارات تخص «الثأر» و«لباس النساء» والخبز وأوقات حظر التجوال التي فرضتها بعدة محافظات وغيرها.

وذكرت القيادة أن أي تهديد أو محاولة لتصفية الحسابات بين المواطنين سيُعاقب عليها بالحبس لمدة سنة كاملة. وأكدت ضرورة التكاتف والابتعاد عن أي خلافات تعرقل بناء سورية الجديدة.

وقالت في الإعلان: «إنه لا يحق لأي شخص المطالبة بدماء الشهداء، فالشهداء قدموا أرواحهم لتحرير الوطن، وليس لتصفية الحسابات أو المطالبة بالثأر. وممنوع تماماً استخدام عبارة: دماء الشهداء مقابل بيت أو أي شيء آخر، فالشهيد قدم حياته في سبيل الله وليس لأغراض شخصية».

وحددت كمية الخبز المسموح شراؤها بـ4 ربطات فقط لكل شخص في اليوم بهدف «الحفاظ على المخزون وضمان التوزيع العادل للجميع».

وأوضحت أن إعلان حظر التجوال الكامل يشمل الحظر المدن التالية: دمشق وريفها واللاذقية وطرطوس من الساعة 5 مساء حتى الساعة 5 صباحاً، وسيعاقب المخالف بالحبس لمدة شهر».

وأشارت إلى أنه يمنع منعاً باتا التدخل في لباس النساء أو فرض أي طلب يتعلق بملابسهن أو مظهرهن، بما في ذلك طلب التحشّم». وشددت على أن «الحرية الشخصية مكفولة للجميع، وأن احترام حقوق الأفراد هو أساس بناء وطن متحضر».

كما حذرت من التعرض للإعلاميين العاملين في التلفزيون السوري، الإذاعة الرسمية، وصفحات التواصل الاجتماعي ويُمنع توجيه أي تهديد لهم تحت أي ظرف. وفرض عقوبة الحبس لمدة سنة كاملة لكل من يخالف هذا القرار. ونؤكد على أهمية حماية الإعلاميين وضمان حرية عملهم في خدمة الوطن والمجتمع.

وفي وقت تسارع الفصائل المسلحة للدخول بمرحلة انتقالية ستفتح الباب أمام بروز الخلافات بين التيارات والأحزاب والجماعات الأخرى المتناحرة فيما بينها، اعتبرت، ديما موسى، نائبة رئيس ائتلاف الثورة المعارض، الذي يشكل حكومة مؤقتة بأنقرة، أن سقوط نظام الأسد فرصة للسياسيين السوريين من جميع الأطياف «للجلوس على نفس الطاولة» لتشكيل المرحلة التالية من تاريخ البلاد.

وأضافت ديما: «المرحلة الانتقالية تتطلب الجمع بين السوريين جميعهم، بمن فيهم أولئك الذين يحملون السلاح».

ورداً على سؤال حول كيفية ضمان انتقال سلمي عندما يكون لأحزاب المعارضة مواقف سياسية مختلفة، قالت: «بالطبع سنقاتل جميعاً من أجل ما نريد. نريد فقط أن نفعل ذلك بطريقة سلمية».

انهيار وسلاسة

في هذه الأثناء، تحدث رئيس الوزراء السوري محمد الجلالي عن انهيار معنوي بصفوف الجيش وفرار جماعي لجنوده إلى منازلهم خلال تقدم المعارضة، لكنه أكد أنّ «الحكومة الحالية تواصل تصريف الأعمال في الوقت الراهن لحين تسليم السلطة بالتنسيق مع المعارضة».

كما نبه إلى إجراء اتصالات مع معارضين من الخارج، إضافة إلى أطراف صديقة للتأكيد على ضرورة أن تمر المرحلة الانتقالية المقبلة بسلاسة، وعلى أن سورية ستظل بلدا واحداً.

ورأى أن انتهاء تعدد مناطق السيطرة خلال الصراع على السلطة سيحسن من تأمين الموارد لكل المحافظات، مؤكداً أن المخزونات الحالية كافية لتأمين الاحتياجات الضرورية.

وشدّد على أنه «لا يمكن قبول أي شكل من أشكال الاعتداءات الإسرائيلية على سورية»، لكنه نبه إلى أن «هذا الملف من صلاحيات الرئيس السابق فقط».

من جانب آخر، ووسط مخاوف بشأن وضع الأقليات الدينية والعرقية في البلاد بعد انهيار النظام الذي حكم البلاد لأكثر من نصف قرن بالحديد والنار، أصدرت مشايخ الطائفة العلوية، التي ينتمي لها آل الأسد، بياناً أكدت فيها على أن أبناءها دعاة وطنية وسلام ومحبة، مطالبة بإصدار عفو عام «يطول كل أطياف الشعب السوري دون استثناء»، بلسمةً للجراح وترفعاً عن المآسي و«فتحاً لصفحة جديدة لمستقبل بلدنا».

وعلى الصعيد الدولي، رأى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، أن «عملية الانتقال السياسي يجب أن تضمن مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة ومحاسبة المسؤولين عنها»، مضيفاً «يجب اتخاذ كل التدابير لحماية جميع الأقليات وتجنب الأعمال الانتقامية».

وفيما وقت أفادت المعلومات بان الجولاني سيلتقي قادة الجيش السوري، قال نائب العمليات العسكرية في سورية: كل الفصائل ستنضوي بالمؤسسة العسكرية. ولم يقاتل الجيش خلال الهجوم الذي أوصل المعارضة الى دمشق.

أهوال صيدنايا

وأتت الدعوة الأممية في وقت تترقب آلاف العائلات السورية الوضع في سجن صيدنايا سيئ السمعة بانتظار خروج أبنائهم من المعتقلين، وسط ظروف صعبة للغاية ومعلومات تتحدث عن سجون سرية غير معروفة المداخل حتى اللحظة تحت الأرض.

وعقب انتشار تقارير عن العثور على حجر للاحتجاز بأماكن مخفية تحت الأرض وتناقل فيديوهات تقشعر لها الأبدان لمعتقلين يتم تحريرهم، أكد الدفاع المدني «الخوذ البيضاء» أن فرقه لم تعثر على أي أبواب سرية يتم الحديث عنها، مشيراً إلى أنه يستعين بمجسات صوتية ومعدات حديثة، بالإضافة إلى استخدام كلاب مدربة للوصول إلى أي مكان مخفي.

وقد تداولت لقطات لمعتقلين خرجوا من سجن صيدنايا، الذي يوصف بأنه مسلخة للنظام، حيث تشير التقديرات إلى إعدام أو وفاة أكثر من 30 ألف سجين بين عامي 2011 و2018 بداخله.

ضبط وسيطرة

ميدانياً، أكدت الفصائل المسلحة أنها «شارفت على الانتهاء من ضبط العاصمة السورية، أمنياً، وحفظ الممتلكات العامة»، مضيفة أن «الحكومة الجديدة ستباشر أعمالها فور تشكيلها».

ورغم عدم تسجيل أحداث أمنية كبيرة بعد أول يوم من غياب الأسد، بدت الشوارع مهجورة والمتاجر مغلقة في شوارع دمشق صباح أمس، عقب انتهاء ساعات حظر التجول، وسط قلق السوريين بشأن المستقبل وإمكانية العودة إلى الحياة الطبيعة واستئناف الأعمال والتعليم.

وفي تطور آخر، أعلنت القيادة المعارضة التي تضم فصائل مدعومة بشكل مباشر من قبل تركيا أن انتزعت السيطرة على مدينة منبج بريف حلب الشرقي بشمال سورية بعد اشتباكات مع قوات «سورية الديمقراطية» المعروفة اختصاراً بـ«قسد» التي يهيمن عليها الأكراد.

كما أفيد بأن الفصائل المسلحة تمكنت من طرد عناصر «قسد» التي تتهمها أنقرة بدعم المتمردين الأكراد بتركيا من مركز محافظة دير الزور، ومن مدينتي البوكمال والميادين على الحدود العراقية - السورية.

عودة اللاجئين

من جهة أخرى، صرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، بأن تركيا ستعمل على عودة اللاجئين السوريين الذين تستضيفهم إلى ديارهم بأمان وعلى إعادة إعمار سورية وتشكيل حكومة تضم الجميع بها، فيما قررت ألمانيا والنمسا وقف البت في طلبات اللجوء المقدمة من السوريين مؤقتاً.

وبينما ذكرت الداخلية الألمانية أن الأوضاع في سورية متغيرة ولم تستقر، أشارت سلطات النمسا التي يعيش على أراضيها حوالى 100 ألف سوري، فيما يشكّل إحدى أكبر مجموعات اللاجئين في أوروبا، أنها تستعد لترحيل الآلاف منهم إلى بلدهم بعد سقوط النظام.

وفي حين تواصل عودة اللاجئين من الأردن وتركيا ولبنان إلى سورية، رُفع علم الثورة السورية فوق مبنى السفارة السورية في موسكو من قبل أعضاء من المعارضة في روسيا الحليف الرئيسي لنظام الأسد.

back to top