في البحث عن ضوء لا بدّ من المصارحة *
لا حديث في المدن اليوم أكثر تكراراً من الحديث عن العوز والغلاء والفقر الذي أصبح أكثر انتشارا من الكوليرا وكورونا وإنفلونزا الخنازير والطيور أيضا، كل زوايا الوطن الكبير والصغير تحمل صراخ المقهورين هنا وهناك، حتى لو كان الصراخ دون صوت أو «أخرس» بكاتم الصوت المعتاد!!
العربات محملة بالأطفال ومزينة بأعلام البلاد، وهي تجري مسرعة نحو مراكز الاحتفالات هنا وهناك، إما بأعياد البلاد الوطنية وإما بالأعياد الدينية وغيرها، والناس تبحث عن مساحة للفرح إن لم يكن لهم فربما لأطفالهم خصوصا أن هناك شحاً في الفرح قبل السعادة.
يافطات ضخمة تحمل شعارات مهنئة وبينها يافطات أخرى تشير إلى عملية مكافحة الفساد، وهو ربما التشخيص الأول لذاك المرض الذي اسمه إفقار وتهميش الناس في أوطاننا، بل هو ربما «المجرم» الأول في دهاليز القرارات التي إما أن ترفع بلداً وتنعش اقتصاده في وقت تشهد الاقتصادات العالمية تحديات كبيرة، وإما أن تنزل به تدريجيا إلى آخر سلم التنمية والتطور والحياة الكريمة للمواطنين والقادمين معا!!
بين كل ذلك تبقى بضعة أصوات ما زالت ترتفع بين الحين والآخر في عتمة ذاك الظلام الدامس والصمت حتى الخوف من الكلام في السر،
وتأتي الأصوات فيفرح البعض رغم أن كثيرين يدركون أن هذا الخطاب لا يتلاءم مع كل ما حدث من تطورات في السياسات العامة والحال شبيهة بالإنتربول، وهو يكافح تجار المخدرات، فكلما حاول أن يدرك ما طوروه من أساليب اكتشف أنه لا يزال متأخرا عن مواكبة تطوراتهم. وهذه هي الحال مع المعارضات في دولنا تبقى أسيرة خطاب قديم جداً إن لم يكن قد عفا عليه الزمن، ولذلك فلا يملك القدرة على استقطاب أو شد انتباه أو اهتمام متوسطي العمر قبل الشباب، فتشيخ المعارضات وتبقى السلطات شابة في أساليبها المتحايلة والمبتكرة في النهب للثروات والخيرات واستغلال أكبر وأكبر!
عندما اندلعت الانتفاضات في زوايا الأوطان الممتدة على خريطة التخلف والظلم والقمع، كان السؤال المتكرر أمام المتظاهرين: لماذا لا تزال حركات المعارضة دون أطر واضحة ورسائل ومطالب أيضا، وطرق حديثة للإقناع قبل التواصل الفج عبر وسائل التواصل الحديثة، فهذه التي قيل إن لها الفضل الأول في اندلاع التظاهرات التي تحولت إلى انتفاضات أو ثورات أو حروب، لم تكن قادرة على نقل الحوار إلى مراحل أكثر ذكاء، ولم تستطع أن تستقطب أعداداً أكبر من الجماهير المعتادة، ولم تعرف كيف تطور الحدث، وهذا دون إنكار كم القمع الذي مورس على الناس، أي المواطنين الذين تحولوا فجأة الى تسميات مختلفة من السلطات إما مشاغبين وإما مخربين أو حتى إرهابيين!!!
هناك حاجة ملحة في هذه الأوطان للعودة إلى الوقوف مع الذات ومراجعة أخطاء المعارضات المختلفة وإخفاقاتها، وعدم القدرة على معرفة متى «تستغل» اللحظة لتحويلها الى مسارات تضيف مكاسب ليس لتلك الحركة أو زعيمها بل للناس الذين يقول المعارضون إنهم يمثلونهم، وإن جل اهتمامهم وتضحياتهم هي من أجل هذه الفئات المهمشة والمستضعفة والخائفة من النبس بكلمة أو القيام بتصرف أو التعبير عن رأي حتى لو كان في الثقافة أو في التوسع العمراني غير المفهوم الأبعاد والغايات!! حتى التطبيع مع آخر نظام فصل عنصري عرفته البشرية، حتى هذا أصبح رأياً مخيفاً بالنسبة إلى الكثيرين، فقد يؤدي إلى الاستدعاء أو التوبيخ أو السجن أو حتى الاختفاء والرمي خارج حدود الوطن، وكأن المواطنة مكرمة لا حق للمواطن!!! حتى نعرف حجم الكارثة ما علينا سوى قراءة خطابات وبيانات والجلوس في تجمعات المعارضات العربية والاستماع إلى خطابات مليئة بكلمات ربما كان من الأجدى أن ترص في صفوف المتاحف، فحتى اللغة أصبحت خشبية متحجرة، وفي حين نحارب الظلم بأشكاله ونعمل على فضح الفساد بأنواعه حتى لو كان ذلك بالكلمة وهي أضعف الإيمان، ربما لا ننسى أننا بحاجة الى إعادة بناء حركات متجددة للمعارضات العربية تعرف نبض الجيل وحتى كلماته وعباراته وما يؤثر فيه، وتكون قادرة على مواكبة كل الأساليب المستجدة لدى الأنظمة الحاكمة في طريقة حكمها وسيطرتها وكسبها للولاءات لا الكفاءات وتكريسها للقول الواحد، ونكرانها للحق في تعدد الآراء، وقتلها الإعلام على مختلف أنواعه، فلم يعد في عالمنا العربي برنامج حواري متزن ومحايد، ولم يعد هناك مقدمو برامج بل في معظمهم حملة أختام و«طبالة» والحال نفسها لكتاب الأعمدة، فقد قتلوا الصحافة العربية أو ما تبقى منها، وراحوا يمنحون الجوائز والأوسمة لبعض الكتبة من الجهلة و«أرتيستات» الكلمة، عجبي!!!
* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية
العربات محملة بالأطفال ومزينة بأعلام البلاد، وهي تجري مسرعة نحو مراكز الاحتفالات هنا وهناك، إما بأعياد البلاد الوطنية وإما بالأعياد الدينية وغيرها، والناس تبحث عن مساحة للفرح إن لم يكن لهم فربما لأطفالهم خصوصا أن هناك شحاً في الفرح قبل السعادة.
يافطات ضخمة تحمل شعارات مهنئة وبينها يافطات أخرى تشير إلى عملية مكافحة الفساد، وهو ربما التشخيص الأول لذاك المرض الذي اسمه إفقار وتهميش الناس في أوطاننا، بل هو ربما «المجرم» الأول في دهاليز القرارات التي إما أن ترفع بلداً وتنعش اقتصاده في وقت تشهد الاقتصادات العالمية تحديات كبيرة، وإما أن تنزل به تدريجيا إلى آخر سلم التنمية والتطور والحياة الكريمة للمواطنين والقادمين معا!!
بين كل ذلك تبقى بضعة أصوات ما زالت ترتفع بين الحين والآخر في عتمة ذاك الظلام الدامس والصمت حتى الخوف من الكلام في السر،
وتأتي الأصوات فيفرح البعض رغم أن كثيرين يدركون أن هذا الخطاب لا يتلاءم مع كل ما حدث من تطورات في السياسات العامة والحال شبيهة بالإنتربول، وهو يكافح تجار المخدرات، فكلما حاول أن يدرك ما طوروه من أساليب اكتشف أنه لا يزال متأخرا عن مواكبة تطوراتهم. وهذه هي الحال مع المعارضات في دولنا تبقى أسيرة خطاب قديم جداً إن لم يكن قد عفا عليه الزمن، ولذلك فلا يملك القدرة على استقطاب أو شد انتباه أو اهتمام متوسطي العمر قبل الشباب، فتشيخ المعارضات وتبقى السلطات شابة في أساليبها المتحايلة والمبتكرة في النهب للثروات والخيرات واستغلال أكبر وأكبر!
عندما اندلعت الانتفاضات في زوايا الأوطان الممتدة على خريطة التخلف والظلم والقمع، كان السؤال المتكرر أمام المتظاهرين: لماذا لا تزال حركات المعارضة دون أطر واضحة ورسائل ومطالب أيضا، وطرق حديثة للإقناع قبل التواصل الفج عبر وسائل التواصل الحديثة، فهذه التي قيل إن لها الفضل الأول في اندلاع التظاهرات التي تحولت إلى انتفاضات أو ثورات أو حروب، لم تكن قادرة على نقل الحوار إلى مراحل أكثر ذكاء، ولم تستطع أن تستقطب أعداداً أكبر من الجماهير المعتادة، ولم تعرف كيف تطور الحدث، وهذا دون إنكار كم القمع الذي مورس على الناس، أي المواطنين الذين تحولوا فجأة الى تسميات مختلفة من السلطات إما مشاغبين وإما مخربين أو حتى إرهابيين!!!
هناك حاجة ملحة في هذه الأوطان للعودة إلى الوقوف مع الذات ومراجعة أخطاء المعارضات المختلفة وإخفاقاتها، وعدم القدرة على معرفة متى «تستغل» اللحظة لتحويلها الى مسارات تضيف مكاسب ليس لتلك الحركة أو زعيمها بل للناس الذين يقول المعارضون إنهم يمثلونهم، وإن جل اهتمامهم وتضحياتهم هي من أجل هذه الفئات المهمشة والمستضعفة والخائفة من النبس بكلمة أو القيام بتصرف أو التعبير عن رأي حتى لو كان في الثقافة أو في التوسع العمراني غير المفهوم الأبعاد والغايات!! حتى التطبيع مع آخر نظام فصل عنصري عرفته البشرية، حتى هذا أصبح رأياً مخيفاً بالنسبة إلى الكثيرين، فقد يؤدي إلى الاستدعاء أو التوبيخ أو السجن أو حتى الاختفاء والرمي خارج حدود الوطن، وكأن المواطنة مكرمة لا حق للمواطن!!! حتى نعرف حجم الكارثة ما علينا سوى قراءة خطابات وبيانات والجلوس في تجمعات المعارضات العربية والاستماع إلى خطابات مليئة بكلمات ربما كان من الأجدى أن ترص في صفوف المتاحف، فحتى اللغة أصبحت خشبية متحجرة، وفي حين نحارب الظلم بأشكاله ونعمل على فضح الفساد بأنواعه حتى لو كان ذلك بالكلمة وهي أضعف الإيمان، ربما لا ننسى أننا بحاجة الى إعادة بناء حركات متجددة للمعارضات العربية تعرف نبض الجيل وحتى كلماته وعباراته وما يؤثر فيه، وتكون قادرة على مواكبة كل الأساليب المستجدة لدى الأنظمة الحاكمة في طريقة حكمها وسيطرتها وكسبها للولاءات لا الكفاءات وتكريسها للقول الواحد، ونكرانها للحق في تعدد الآراء، وقتلها الإعلام على مختلف أنواعه، فلم يعد في عالمنا العربي برنامج حواري متزن ومحايد، ولم يعد هناك مقدمو برامج بل في معظمهم حملة أختام و«طبالة» والحال نفسها لكتاب الأعمدة، فقد قتلوا الصحافة العربية أو ما تبقى منها، وراحوا يمنحون الجوائز والأوسمة لبعض الكتبة من الجهلة و«أرتيستات» الكلمة، عجبي!!!
* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية