بعد 24 عاماً من الحكم، يُعد سقوط بشار الأسد نقطة تحوّل كبيرة في تاريخ سورية وهزيمة دبلوماسية وعسكرية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث عجز «الكرملين» عن حماية حليفه، مما أظهر ضعفاً عسكرياً كبيراً، خصوصاً مع تورّط الجيش الروسي في أوكرانيا، فيما تنقسم الآراء في واشنطن بين مرحّب بـ «فرصة تاريخية»، ومحاذير من «مخاطرة كبيرة».

وقد أعاد التدخل الروسي في سورية لموسكو نفوذها الدولي، وحمى الأسد من الاحتجاجات، لكن فشل موسكو في الدفاع عن النظام السوري في مواجهة هيئة تحرير الشام يعكس ضعف الجيش الروسي المتزايد، الذي تضاعف منذ فشل غزوه لكييف عام 2022، وفق المحلل السياسي الفرنسي جان ريفيوان، الذي أشار الى أن سقوط الأسد بهذه السرعة أثار تساؤلات حول مصداقية روسيا كشريك استراتيجي، خصوصاً في إفريقيا، حيث تسعى لتعزيز نفوذها واستيعاب خسائرها، لاسيما في منطقة الساحل، عبر مجموعة «فاغنر».

Ad

من جهته، قال الباحث المتخصص في الشرق الأوسط، فريديريك إنسيل، لقناة بي إف إم الفرنسية إنه «فيما يتعلق بروسيا، نحن نتعامل مع شيء مثير للسخرية حقاً»، مضيفاً أن «هذه القوة العظمى عجزت عن مواجهة مجموعة من المتمردين وليس جيشاً منظماً. لقد استسلم الروس في سورية بسهولة».

وقد يؤدي سقوط الأسد إلى فقدان روسيا قواعدها العسكرية الاستراتيجية في سورية، مثل قاعدتَي طرطوس البحرية واللاذقية الجوية، التي تعدّ حيوية للعمليات الروسية في البحر المتوسط وإفريقيا. وعلى الرغم من محاولات موسكو الحفاظ على حوار مع المعارضة السورية لضمان مصالحها، فإن نفوذها الدولي تأثّر بشكل كبير.

ونقلت وكالة أنباء إنترفاكس الروسية عن المتحدث باسم «الكرملين»، دميتري بيسكوف، قوله أمس: «نشهد فترة تحوّل وعدم استقرار كبير، لذلك سيستغرق الأمر بعض الوقت بطبيعة الحال، ثم سيتطلب إجراء حوار جاد مع أولئك الذين سيصلون إلى السلطة».

وقال بيسكوف إنه من المهم الآن توضيح مسألة أمن الجيش الروسي في سورية، مضيفاً أن الجنود الروس أنفسهم اتخذوا جميع الاحتياطيات اللازمة، دون تقديم أي تفاصيل. وليس هناك خطط للانسحاب في الوقت الحالي.

وقال «الكرملين» إن بوتين هو من قرر منح حق «اللجوء الإنساني» في روسيا لبشار الأسد، لكنه لم يذكر أي تفاصيل عن تحركات الأخير.

وفي الولايات المتحدة، اعتُبر سقوط الأسد انتصاراً للعدالة، لكنّه أثار مخاوف بشأن المرحلة الانتقالية القادمة.

وشدّد الرئيس الأميركي جو بايدن، أمس الأول، على «وجوب محاسبة» الرئيس السوري المخلوع على تعرّض «مئات آلاف السوريين الأبرياء لسوء المعاملة والتعذيب والقتل»، واصفاً سقوط حكمه بأنه «فرصة تاريخية» للشعب السوري.

وفي أول رد فعلي أميركي على إطاحة فصائل المعارضة السورية المسلحة الأسد، أبدى بايدن تفاؤله، لكنّه نبّه إلى وجوب «البقاء متيقّظين» لاحتمال صعود جماعات إرهابية.

وقال بايدن في كلمة بالبيت الأبيض «أخيراً سقط نظام الأسد»، متحدثاً عن «فعل عدالة أساسي» و«فرصة تاريخية» للسوريين من أجل «بناء مستقبل أفضل»، مع تحذيره من «الغموض والأخطار» الناتجة من الوضع الراهن، وتشديده على أن «الأسد ينبغي أن يُحاسَب».

وأكد بايدن الذي تنتهي ولايته في يناير ويخلفه سلفه دونالد ترامب، أنّ واشنطن ستساعد السوريين في إعادة الإعمار.

وأوضح: «سنعمل مع كل المجموعات السورية، ويشمل ذلك العملية التي تقودها الأمم المتحدة، بهدف إرساء مرحلة انتقالية، بعيداً من نظام الأسد، ونحو سورية مستقلة وسيّدة مع دستور جديد».

لكنه لفت إلى أن واشنطن ستُجري تقييماً لجماعات متطرّفة منضوية ضمن فصائل المعارضة لتبيان وضعها راهناً، وقال إن «بعضاً من الفصائل السورية المسلحة التي أسقطت الأسد لديها سجل قاتم من الإرهاب ومن الانتهاكات لحقوق الإنسان».

وذكر الرئيس الأميركي أن الولايات المتحدة «أخذت علماً» ببيانات أخيرة لفصائل تشير إلى أنها باتت معتدلة، لكنّه نبّه إلى أن بلده «سيُجري تقييماً ليس فقط لأقوالها، بل لأفعالها».

وقال بايدن، إن واشنطن تدرك أن تنظيم داعش «سيحاول استغلال أي فراغ لإعادة تشكيل صفوفه» في سورية، مشدداً على أن واشنطن «لن تسمح بحدوث ذلك». وأضاف أن القوات الأميركية شنت أمس الأول «عشرات» الضربات ضد التنظيم الجهادي.

من جانب آخر، قال السيناتور الجمهوري النافذ ليندسي غراهام:«لا ينبغي لنا أن نسمح للقوات الكردية التي ساعدتنا في تدمير داعش في عهد الرئيس دونالد ترامب (الولاية الأولى) أن تتعرض للتهديد من قبل تركيا أو الإسلاميين المتطرفين الذين استولوا على سورية».

وتدعم الولايات المتحدة خصوصاً «قوات سورية الديموقراطية» (قسد)، وهي ائتلاف فصائل معارضة للأسد يهيمن عليها الأكراد، وتسيطر على مناطق واسعة في شمال شرق سورية.

وقال مسؤول أميركي كبير، طالباً عدم نشر اسمه، إن دعم إدارة بايدن «الكامل» لإسرائيل وأوكرانيا ساهم «في أحداث هذا الأسبوع».

وأوضح أن «حماس في حالة تراجع فقد مات قادتها، وإيران في حالة تراجع، وحزب الله في حالة تراجع، وروسيا في حالة تراجع، فقد تخلّت للتو عن حليفها الوحيد في الشرق الأوسط. والآن نظام الأسد (...) انهار للتو، لم يكن أيّ من هذا ممكناً، لولا دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا وإسرائيل».

وليس واضحاً ما توجهات ترامب الذي سيتولى السلطة في 20 يناير بشأن سورية. وكانت دعوته إلى عدم التدخل قبل سقوط الأسد بأيام مؤشراً إلى أنه ربما يرغب في أن يسحب القوات الأميركية من هناك، كما حاول أن يفعل خلال ولايته الأولى. لكن بعد سقوط الأسد قد يتحول الأمر الى ربح استراتيجي لواشنطن التي دعمت المعارضة السورية عام 2011، وفرضت عقوبات على الأسد. لكن يبقى موضوع الأكراد حساساً، ويحتاج إلى تسوية بين ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وكتبت صحيفة وول ستريت جورنال أن واشنطن تسعى جاهدة لتكون أساسية في عملية إعادة تشكيل سورية، رغم سنوات طويلة من تجاهل الملف السوري.

«الهيئة» والغرب

وأفادت تقارير إعلامية، نقلاً عن مسؤولين أن الولايات المتحدة وبريطانيا قد ترفعان هيئة تحرير الشام، الفرع السابق لتنظيم القاعدة الإرهابي، من قوائم الإرهاب، والتي يقودها أحمد الشرع، الملقب بـ «أبو محمد الجولاني» مع فصائل المعارضة، لكن وفق شروط تتضمن سلوك الهيئة في الأيام المقبلة تجاه الأقليات وملف مسجوني «داعش» وإسرائيل، وغيرها من الملفات السياسية والعسكرية والاستخبارية.

وكانت ألمانيا أكثر وضوحاً عندما قال متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية، أمس، إن أسلوب معاملة هيئة تحرير الشام للأقليات سيحدد موقف الحكومة الألمانية منها.

وفي باريس قال وزير الخارجية الفرنسي، جان بارو، أمس، إن فرنسا ستدعم انتقال سورية السياسي، وستوفد مبعوثاً دبلوماسياً خاصاً إلى هناك في الأيام المقبلة.

وأضاف بارو إن ما حدث في سورية يمثّل هزيمة مذهلة لروسيا، نظراً لأن موسكو قد تفقد الآن القدرة على الوصول إلى أصولها العسكرية في سورية. وتحاول الدول الأوروبية التركيز على هزيمة بوتين في سورية، وتداعياتها على ملفي حرب أوكرانيا والطموحات الإفريقية لبوتين، التي جاءت على حساب النفوذ الأوروبي، خصوصاً الفرنسي في القارة السوداء.

وعبّر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته أمس، عن تفاؤل حذر إزاء التطورات في سورية، داعياً إلى انتقال سلمي للسلطة وعملية سياسية شاملة بقيادة السوريين.

وأكد أيضاً ضرورة التزام زعماء المعارضة السورية بسيادة القانون، وحماية المدنيين، واحترام الأقليات الدينية خلال الفترة الانتقالية.

وذكر أن موسكو وطهران تخلتا عن الأسد بمجرد أنه لم يعد يخدم مصالحهما، وأنهما تشتركان في المسؤولية عن الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري.