لم ينصت بشار الأسد لنصائح تركيا ولا لصوت حلفائه الروس بأن يفتح أبواب الحوار مع المعارضين، وأن يخفف من القبضة الحديدية، «ركب راسه»، وأصر على عناده، فلا حوار طالما بقي المعارضون تحت الحماية التركية أو كانوا من الأكراد الذين هم تحت الحماية الأميركية، وينفَق عليهم من النفط السوري ويحتلون أراضي سورية. السياسة لا تعرف العناد، والإصرار على الاستمرار في الخطأ كان لا بد أن ينتهي به إلى هذه النهاية، درس سياسي لا بد أن يتعلمه الكثيرون في عالم الاستبداد.
طويت للأبد صفحة نظام مستبد استمر خمسين عاماً، وقبلها أي قبل استيلاء الأب حافظ الأسد على السلطة لم تكن سورية ولا العالم العربي أيضاً يعيشان في بحبوحة الحريات والديموقراطية منذ أيام الاستقلال الأولى، لحظات ليبرالية توهجت قليلاً، ثم خبا نورها بسرعة، لكن درجة الطغيان اختلفت من مكان إلى مكان ومن زمن إلى آخر، في سورية هناك سجن صيدنايا المرعب الذي يحاول الثوار اليوم تحطيم الأقبية المرعبة فيه وتحرير من ظل على قيد الحياة، أيضاً هناك سجون معادلة لـ «صيدنايا» في الكثير من البلاد العربية، تختلف التسميات ويبقى محتوى القمع وقبر الحرية واحداً.
هل سنجد في الغد الحرية ولو كانت محدودة، وهل سنجد حماية الحد الأدني من حقوق الإنسان تسود الأرض السورية المجزأة؟
صعب التكهن بالغد، وصعب أكثر أن نحلم بسلطة مركزية متعقلة يمكنها أن تسد المكان والزمان في سورية التي تضج الآن بقوى متنافرة مسلحة قد تدخل في صراعات مرعبة لا تختلف عن الحال في ليبيا، أو عراق ما بعد صدام، أو اليمن، أو حتى أفغانستان.
يقيناً سورية محتاجة إلى من ينتشلها من الفقر، فالاقتصاد مُدمر تماماً، وبسيادة العوز والحاجة يصعب الحلم بسورية التعددية الحرة. فقرات بسيطة قد نجدها في مقال أو افتتاحية هنا أو هناك في الصحافة الأجنبية تدعو إلى إنهاء المقاطعة الاقتصادية لهذا البلد، كما تدعو إلى عودة عوائد النفط للدولة السورية حين تستقر، بدلاً من تركها بيد الأميركان الذين ينفقون منها على محميتهم الكردية.
هل للولايات المتحدة نوايا جادة لمد يد العون إلى دول الشرق الأوسط لدفعها نحو الديموقراطية والحريات والتعددية، أم أنه لا يوجد ما يهم هذه الدولة العظمى غير قاعدتها إسرائيل لتحمي الذهب الأسود في باطن الأرض العربية، ولا شيء غير ذلك؟!