«لخبطة» في السحب والفقد
عدنا والعود أحمد، ولله الحمد والمنّة والفضل، بعد انقطاع عن كتابة مقالي الأسبوعي في إجازة خصصت لاستكمال أعمال لا يمكن تأجيلها وتجديد للطاقة وتصفية للذهن، وفي غضون فترة الانقطاع تلك لم أستطع إلا مراقبة المشهد العام من بعيد، ولن أنكر أنني وجدت الكثير من الأمور والقرارات والأحداث المهمة التي قامت بها حكومة دولة الكويت، وهي تصبّ في المصلحة العامة، بل قرارات جيدة ونوعية كذلك. ولكن الحدث الأهم الذي كان وما زال وسيبقى زمناً طويلاً حديث القاصي والداني لا محالة، هو ملف ما سنطلق عليه «الهوية الوطنية وسحب الجناسي»، وأستخدم الاصطلاح هنا بهذا الشكل لأحدد بعض الجوانب المتعلقة بالمسألة، لكن من ناحية أكاديمية نحن بحاجة حتماً إلى تعريف واضح، يكون نهجاً عاماً متفقاً عليه فيما يخص اصطلاح «الهوية الوطنية».
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هناك عبث في هذا الملف وتحديداً في ملف «الجناسي والتجنيس»؟!! وهل عانت الدولة تبعات وأثر العبث بهذا الملف على الصعد كافة؟!! الإجابة بالطبع: نعم، وبالأدلة القاطعة، وبتجاوزات واضحة على القوانين والأعراف والمنطق، بل أزيد بأن المسألة باتت أولوية قصوى لدرجة إشارة سمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، حفظه الله ورعاه، في خطابه الأخير إلى أننا أمام أزمة وقلق كبيرين من الداخل، يهددان السلم المجتمعي، وعليه باشرت لجنة تحقيق الجنسية مهامها على قدم وساق وخرجت حالات يندى لها الجبين وتقشعر لها الأبدان استطلعنا من خلال الأخبار المتواترة ومقابلة النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الشيخ فهد اليوسف الصباح، معلومات وأحداثاً وأموراً كان الشعب مغيباً عنها، أما الآليات والفتاوى القانونية التي استند إليها العاملون على هذا الملف وتنقيحه فهي أمر يؤخذ منه ويرد كما هي الحال مع أي عمل بشري.
لن يختلف اثنان إن كانا محبين لهذا الوطن على ضرورة تنقيح ملف الجناسي المرتبط بالهوية الوطنية، وتحديداً من أي شوائب على شاكلة حالات تزوير أو ازدواج تمس قوانين الدولة، وهذا أمر بدهي ومفهوم، لكننا خلال الأسابيع القليلة الماضية كنا أمام حالات ممن سحبت منهم الجنسية الكويتية حيث تحصلوا عليها حسب المادتين إما الخامسة أو الثامنة من قانون الجنسية وتعديلاته، اللتين تختصان بالأعمال الجليلة أو زوجات الكويتيين ممن استوفوا شروطاً معينة بناءً على إعلان للرغبة بنيل شرف الجنسية الكويتية.
وهنا حصلت «اللخبطة» و«الخلبصة» وأثيرت البلبلة حول هذا الأمر بطريقة أصبحت حديث الدواوين بشكل مفرط، وعليه، لا خير فينا إن لم نصدح بالحق والرأي السائد الذي نعتقد بصحته، وذلك إبراء للذمة أمام الله، وعلى أمل أن تصل رسالتنا لأصحاب الشأن والقرار بشكل صادق من قلب محب لا من شخص متملق.
لا يوجد تعريف قانوني واضح للأعمال الجليلة ومن اكتسبها تحت هذا البند، وقد فعل لأسباب مختلفة تكون إما أسباب أراها منطقية ويراها غيري عكس ذلك تماماً، ومثال للاختلاف في هذه النقطة تحديداً أرى أن يعطى شرف الجنسية الكويتية أصحاب رؤوس الأموال والاستثمارات التي تخدم الدولة، وتلك نقطة اختلاف بيني وبين العديد من المحيطين بي من أصحاب الآراء القانونية، وعليه ورغم اكتساب بعض الناس شرف نيل الجنسية الكويتية، وهو شرف عظيم فعلاً، فإنها سحبت منهم بالرغم من مرور سنوات عدة على اكتسابها ونشر المراسيم المرتبطة بها، وعلى هذا المنوال نفسه أتى السحب الممنهج على من اكتسبن شرف الجنسية الكويتية من السيدات على المادة الثامنة، ورغم حصولهن على ذلك الأمر باستثناء وزاري وبحسب اللوائح والقوانين.
أما حجة نشر الأسماء من بعد رفعها بمرسوم لهذا الغرض فهو أمر كان محل إشكال واستشكال قانوني يضع الخبراء أمام فتاوى وتفريعات عدة، كنت لأتفهم شخصياً أن تقسم شرائح السيدات ممن تحصلن على الجنسية بحسب المادة الثامنة (زوجات الكويتيين) إلى شرائح لمعالجة استغلال ظاهرة زواج الفائدة، وعلى أساس النظر بحالات الطلاق وتهديد الاستقرار الأسري، ومن هنا لعل السحب يكون مبرراً بحجة تنافي الهدف الأسمى من المنح، أما معاقبة الجميع وتوجيههم إلى التظلم وخلق فئة «بدون» جديدة ليكون الجهاز المركزي لشؤون المقيمين بصورة غير قانونية هو المسؤول عنهم، فهو أمر يستوجب إعادة النظر مرة ومرات.
الحديث في هذه المسألة يطول وله جوانب عديدة، لكني آمل أن تنظر الحكومة بعين الرحمة قبل القانون مقابل استقرار عدد كبير من الأسر.
على الهامش:
لست صاحب مصلحة لا من بعيد ولا قريب فيما يتصل بموضوع الجناسي برمته، لكنني «أستحقر» فعلاً أي إنسان لا يتحدث أو يدافع عن حق، إلا إذا لامسته النار بشكل مباشر، فهذا هو الشخص الذي يطلق عليه حرفياً «ضيق الأفق».
هامش أخير:
سعدت حين علمت نية الحكومة فتح ملفات من تغيرت مواد «جنسياتهم» من الثانية أو السابعة إلى الأولى، وبما أن مواد الجنسية في الدولة ليست موحدة، فلا ضير من تصحيح الأخطاء ومحاسبة من تسبب بهذا التلاعب عبر الزمن.