لن تقتصر خسارة روسيا قاعدتها الجوية بحميميم والبحرية بطرطوس السوريتين على مشكلة لوجستية عسكرية فحسب، بل ستكون أيضاً بمنزلة انتكاسة جيوسياسية كبيرة لموسكو، التي استخدمت هاتين القاعدتين منذ عام 2015 لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، ومحطة رئيسية تغذي طموحاتها في قارة إفريقيا.

ورغم الحديث عن ضمانات حصلت عليها موسكو من المعارضة بشأن أمن قواعدها العسكرية وممثلياتها الدبلوماسية في سورية، لكنها لا تستبعد بسبب التطورات على الأرض التخلي عن هاتين القاعدتين، وفق ما نقلت مجلة «جون أفريك» عن مصدر مقرب من الاستخبارات الروسية.

Ad

وتقوم موسكو بتقييم عدة خيارات لضمان استمرارية موقفها الاستراتيجي في القارة الإفريقية، وفق ما نقلت المجلة عن خبير في «مجموعة فاغنر»، مضيفاً أنه «يمكن لموسكو ببساطة أن تحول منشآتها من سورية إلى شرق ليبيا، وتحديداً ميناء طبرق ومطار بنغازي، من خلال الاعتماد على حليفها المسيطر هناك خليفة حفتر».

وأشار الخبير إلى «الاتفاق الذي أبرمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع حفتر لتعزيز سلطته مقابل زيادة وجود الجنود الروس في ليبيا، بوابة منطقة الساحل»، غير أن الوضع السياسي الليبي الذي يتسم بانقسام السلطة بين حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس وقوات حفتر في بنغازي، يضعف هذا الخيار.

كما يمثل استخدام ليبيا تحديات فنية كبيرة من وجهة نظر لوجستية، حيث لا تستطيع طائرات النقل الثقيلة الروسية، مثل طائرة إليوشن إيل - 76، الطيران مباشرة من روسيا إلى ليبيا بحمولة كاملة دون التوقف للتزود بالوقود، الأمر الذي من شأنه أن يحد بشكل كبير من فائدتها. وتستكشف موسكو أيضاً إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر في بورتسودان. وكان هذا الخيار بالفعل موضوع مفاوضات بين روسيا والسلطات السودانية، وتم إحراز تقدم ملحوظ في عام 2020، لكن الحرب الأهلية في السودان قوّضت هذا المشروع.

علاوة على ذلك، فإن بطء المؤسسات الروسية في تقديم الدعم الفعال للحكومة السودانية يقلل أيضاً من فرص الحصول على قاعدة دعم لوجستي في هذه المنطقة، وكل يوم يمر يجعل هذا الاحتمال غير مؤكد أكثر فأكثر.

بالنسبة لموسكو، فإن وجود قاعدة في بورتسودان من شأنه أن يؤمن موقعاً استراتيجياً على البحر الأحمر، مع إمكانية الوصول المباشر إلى طرق التجارة التي تربط أوروبا وآسيا وإفريقيا، لكن في ظل الظروف الحالية، تظل جدوى هذا الخيار معرضة للخطر.