مع إعلان وزارة المالية الأسبوع الماضي مسودة مشروع قانون الضريبة على أرباح الأعمال التجارية تكون الكويت قد دخلت مرحلة جدية من النظام الضريبي يتطلب سرعة التطبيق، بالتوازي مع تحسين بيئة الاستثمار والتجارة، فضلا عن اتخاذ سياسات إصلاح اقتصادي حقيقية.
وتأتي مسودة قانون ضريبة الأعمال لتتعامل مع فئتين من الضريبة على الشركات الكويتية بواقع 15 في المئة من الأرباح، حيث تشمل الضريبة الأولى فئة الشركات المتعددة الجنسيات التي تتجاوز إيراداتها السنوية العالمية 750 مليون يورو أو ما يعادلها اعتبارا من بداية عام 2027، وفقا لاشتراطات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والتي إن لم تحصّلها الخزينة العامة للبلاد فستحصّلها الدول الأخرى التي تعمل فيها فروع الشركات الكويتية خارجيا، أما الفئة الثانية فهي للشركات العاملة في النطاق المحلي أو الدولي غير الخاضع لمعايير المنظمة اعتبارا من بداية عام 2026، مع استثناء الأنشطة التي تقل قيمتها عن 1.5 مليون دينار من الضريبة.
توسع وسياسات
ولا شك في أن تطبيق ضريبة الأعمال، التي تمثل أولوية قصوى، لا يمثّل فقط توسعا كبيرا بحجم المنظومة الضريبية في البلاد التي تبلغ نسبتها المجمّعة حاليا 4.5 في المئة بين ضرائب دعم العمالة الوطنية ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي، فضلا عن الزكاة، بل تعدّ تحديا مهما للإدارة العامة، لا سيما من جهة اتخاذ سياسات تطوق الآثار الاقتصادية المتوقعة من العمل باستقطاعات الضريبة على بيئة الأعمال والتضخم من ناحية، وترفع من مهنية الإدارة المالية في مسائل الامتثال الضريبي وضبط جودة المصروفات والإنفاق العام، وهي اعتبارات من المهم اتخاذها بالتوازي مع إقرار تطبيق الضريبة، وليس عذرا لتأجيلها أو عدم تطبيقها.
فعمل الدولة في مجال الضريبة ليس جباية الأموال فقط، بل بصورة أعمق العمل على تحفيز الاقتصاد وتطوير الاستثمار وإعادة مفهوم أملاك الدولة لحقيقته التنموية الاقتصادية، فضلا عن رفع حجم ومكونات الناتج المحلي الإجمالي، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية تقليص الآثار التضخمية خلال السنوات الأولى من فرض الضريبة عبر إجراءات تقلل من الاحتكار، وترفع وتيرة الصناعة المحلية، لا سيما في قطاعات الاستهلاك والغذاء والأدوية، وهي متطلبات متوازية وضرورية مع التطبيق الضريبي.
تحفيز وتعويض
ولعل العمل على أن نمو الناتج المحلي وتطوير بيئة الأعمال وتحفيز الأموال المحلية وجذب الاستثمارت الأجنبية هي عوامل تعوّض الشركات عمّا فقدته من إيرادات لمصلحة الخزينة العامة من جهة، وتعمل أيضا على معالجة جوانب مهمة من اختلالات الاقتصاد الهيكلية، خصوصا ضآلة الإيرادات غير النفطية وانحراف سوق العمل ومحدودية حجم الناتج المحلي ومكوناته، هنا نتحدث عن ضرورة وجود إدارة يشغلها ما هو أعمق من افتتاح دروازة أو إصلاح شارع، أو حتى افتتاح مشروع بنية تحتية حكومي ضخم لا يغيّر من أنماط سوق العمل أو يدرّ للدولة عائدات غير نفطية.
انكماش وسياسات
ويأتي إعلان مسودة قانون ضريبة الأعمال بالتوازي مع توقّع بعثة صندوق النقد الدولي انكماشا بـ 2.8 في المئة للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لدولة الكويت العام الحالي، وخفض توقعات نموه عام 2025 من 2.8 إلى 2.6 في المئة، في حين يرى معهد التمويل الدولي أن الكويت ستسجل انكماشا بالنمو الاقتصادي بواقع 2.2 في المئة هذا العام، فيما بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي 1 في المئة فقط على مدى السنوات الثلاث الماضية، مقارنة بحوالي 5 في المئة في دول الخليج الأخرى، وهذه مؤشرات لا تشي بكثير من التفاؤل تجاه تطبيق سياسات إصلاح اقتصادي تواكب احتياجات تطبيق ضريبة الأعمال.
موعد ملتبس
وفي الحقيقة، فإن الموعد الذي حددته المسودة لتطبيق ضريبة الأعمال على الشركات المتعددة الجنسيات حسب النص «في أو بعد بداية عام 2026»، وعلى الشركات الأخرى «في أو بعد بداية عام 2027»، وهي مواعيد معرّضة لكثير من الالتباس وإمكانية التأجيل والتأخير على عكس دولتين خليجيتين هما الإمارات وقطر، أعلنتا خلال الشهر الجاري تطبيق الضريبة على الشركات المتعددة الجنسيات بداية العام المقبل، بشكل حاسم وقريب غير ملتبس، كما ورد في المسودة الكويتية التي تشير إلى أن تطبيق القانون مرتبط أصلا بإصدار اللائحة التنفيذية، التي تتعرض غالبا لتأخير في أروقة البيروقراطية الحكومية، فلا يكون لموعد «في أو بعد» السنة المحددة قيمة فعلية، إذا تم تطبيقها بعد أشهر أو ربما سنوات.
ومع أن إعفاء الأنشطة الصغيرة التي تبلغ أعمالها دون 1.5 مليون دينار هو اجتهاد في محله بسياقه المالي، إلا أنه يفتح الباب لمناقشة الآليات غير المالية أو النقدية التي تتعامل بها مؤسسات الدولة في سبيل تحفيز بيئة العمل بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تحتاج إلى ما هو أكثر من إعفاء ضريبي أو تأجيل للأقساط، إذ تحتاج هذه الشريحة على نطاق قوانين وإجراءات موازية لقانون ضريبة الأعمال، تسهّل من البيروقراطية الحكومية، وتتيح أملاك الدولة لأصحاب المبادرات والمشاريع ذات القيمة المضافة للاقتصاد الوطني، حيث يكون دور «صندوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة» إشرافيا رقابيا على مدى التزام المستفيدين من التسهيلات الحكومية بتحقيق المنافع الاقتصادية والمالية للبلاد.
منفعة موسعة
لا شك في أن ضريبة الأعمال بشقيها، المتعدد الجنسيات والمحلي، مستحقة، ليس فقط لرفد المالية العامة بالإيرادات غير النفطية، بل تصل منفعتها إلى ضبط حركة الأموال غير المشروعة وتقويض الجرائم المالية، وبالتالي تحتاج إلى احترافية غير معهودة - مع الأسف - محليا في تحقيق الاستفادة منها، من خلال جعلها أساسا لتطوير بيئة الاستثمار والتجارة من الإدارة العامة التي لم تصدر حتى اليوم برنامج عملها أو توضح سياساتها الاقتصادية!