من أروع روايات شكسبير، قصة الفارس ماكبث، الذي أدى طمعه في عرش اسكتلندا إلى قتل الملك والاستيلاء على الحكم، ثم الانفراد به بدكتاتورية وطغيان إلى درجة أنه قتل أعداءه وهرب منه أعوانه خوفاً من القتل والتعذيب، ثم انفضّ عنه الجميع وتحالفوا ضده وأسقطوه في النهاية.
نهاية ماكبث تكررت في التاريخ قبل شكسبير وبعده، فسقط تشارلز الأول في إنكلترا، ولويس ملك فرنسا، وماركوس الفلبين، وشاه إيران، وصدام والقذافي، وغيرهم الكثير، وأخيراً الأسد في سورية.
والعجيب أن سيرهم تتشابه إلى حد كبير مع قصة ماكبث، مثل الانفراد بالرأي إلى درجة الطغيان وجحود الرأي الآخر، والحكم بدكتاتورية متوحشة، ورفض النصائح من المقربين، والبطش بالأعداء ثم البطش بالأصدقاء والأعوان، بلا رحمة، والتمسك بالسلطة إلى درجة الجنون حتى وقعت النهاية وتعاون الجميع على إسقاطهم.
كلهم، وآخرهم بشار، رفضوا الإصغاء إلى نصائح حلفائهم، والتوقف عن قتل شعوبهم، ولم يقتنعوا بإشراك المواطنين في حكم أوطانهم، مما كان سيضمن استمرار حكمهم، ولكنهم أبوا إلا الانفراد بالحكم إلى درجة القتل والتشريد للمعارضين، فانفضّ الجميع عنهم، فكانت نهايتهم جميعاً متشابهة ومحتومة.
سورية الآن مهددة بالتدخلات الخارجية والانقسامات الداخلية، ولو أصغى بشار للرأي الآخر وشارك الشعب في الحكم لاحتفظت سورية بوحدتها وربما احتفظ هو برئاسته أو مكانته، فنسأل الله أن يهدي القائمين على الثورة وقد انتصروا الآن للحفاظ على وحدة سورية، ومشاركة الجميع في بنائها وحكمها، كما تعهّد بذلك زعيمها أحمد الشرع، (المعروف بـ «أبو محمد الجولاني»)، كما تعهّد بإبعاد التطرف والفوضى عنها.
وقد أثبتت حوادث التاريخ أن الرأي الآخر الذي يقدّم بإخلاص ووفق القنوات السلمية المشروعة لا يمكن أن يستغني عنه أي نظام إذا أراد وحدة الوطن واستقراره.
وعلى الحكومات في كل بلد ألا تأنف من الاستماع إلى الرأي الآخر، مادام في إطار الشرع والقانون.
وعلى أصحاب الرأي الآخر أن يخلصوا في رأيهم ونصيحتهم، دون خروج أو الدعوة إلى الخروج على نظام الحكم.
وأعظم نصيحة لكل الأوطان هي اللجوء إلى الله تعالى والاحتكام إلى شرعه الذي كفل الاستقرار والحريات والعدالة والرحمة والمشاركة في الحكم وفق أسس ثابتة لا ظلم فيها ولا إبعاد.
قال تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ».