نصيحة مستحقة للمعارضة السورية
يا أهلنا في سورية: لا بدّ من الدهاء ورزانة السلوك السياسي ورصانة الحراك، فكل أعداء الأمة يراهنون على فشلكم، ولا بدّ من أخذ أقصى حدود الحذر، واجعلوا ظاهر سياساتكم فيها الغباء وباطنها الدهاء والذكاء، فالتخلص من الدكتاتورية لا ينحصر في اقتلاع شخص أو أشخاص، بل في اجتثاث بُنية نفسية وعقلية باطنية متجذرة ومسيطرة يمسك بأزمتها الأشرار من كل صنف، فقد ابتلينا بدكتاتوريات كانت بعيدة حتى عن رشد الدكتاتوريات ذات الغيرة العالية.
وأنا دائماً أتساءل: ما الفرق بيننا وبين الصين؟ فلنستفد من تجارب الأمم لأننا أولى بالحكمة منها، فكيف بنت كياناتها من لا شيء؟ بدأت خطوتها الأولى على طريق الألف ميل ووصلت، ولم تستفزها القوى المتربصة بها، فلم تستفز أميركا وروسيا ماوتسى تونغ رغم التجريح المهين للكرامة، وعندما أصدر 120 إنذاراً لأميركا التي كانت تتحرش به فى جزر الكيموي، قال له خوروتشوف الذي يريد توقيعه في الفخاخ إن الصيني إذا وجد زوجته تخونه يقول لها أنذرك للمئة والعشرين، إلا أن ماو كان يعلم بما يدبَّر له، وكان ينظر للبعيد حتى أنه قطع اتصالاته مع فيتنام أثناء حربها مع أميركا لأنه علم أنها شَرَك منصوب له، فانظروا إلى ما وصلت إليه الصين حتى نتخطى الفخاخ ونكون أوعى من أعدائنا.
الصين لم تلعب بشوارب الأسد الغربي لتستفزه بالتفجيرات، ولم تستعرض لحومها كما تفعل الغزلان أمامه باستعراض عضلاتها النووية والجرثومية الزائفة التي ثبت أنها وهمٌ، كما فعل صدام حسين، بل صبرت وصابرت، وكفّت يدها إلى حين، وهذا ما أُمر به المسلمون في مكة من كف اليد حتى أتى الإذن بالدفاع وردّ العدوان ومشاغلة قوى الكفر وإنهاكها، فإلى أين وصلت الصين اليوم وأين وصلنا نحن؟
نعم لقد قبر الاستعمار تجربة محمد علي في مصر الذي وضع مصر على طريق التقدم، وكانت اليابان آنذاك ترسل بعثات للاستفادة من تجربة محمد علي في مصر بغض النظر عن رأينا فيه وفي أخطائه وتوجهاته إلا أن ما قام به من ناحية إدارية وفنية بحتة يشكل الآلية التي حققت الانعتاق من أوضاع التخلف والتأخر الصناعي والإداري، فالصين رغم أن نظامها شمولي غير ديموقراطي حققت نمواً هو الأعلى في العالم مما يدل على أن الآلية والرافعة التي ترفع المجتمع نحو التقدم موضوعية وذات فاعلية مستقلة.
هذا لا يعني ترويجاً للدكتاتوريات والأنظمة الشمولية بل بيان حقيقة موضوعية ثابتة فى صميم الواقع الإنساني وفي مستواه الاجتماعي، ولكن أردنا في إيرادها التعريف بدكتاتورياتنا الاستعراضية المجرمة فبضدها تعرف الأشياء، لذلك عندما اندلعت ثورة يوليو في مصر قضت على البرجوازية الاقتصادية التي كانت تقطُر العملية السياسية المتمثلة بنظام الدستورية الملكية المرتكزة في حراكها السياسي على العملية الديموقراطية المفرّغة في أوعية الأحزاب السياسية المتحركة في هامش عريض من الحرية، مما جعل القصر والاستعمار يغازل هذه الأحزاب ويحاول استمالتها لأنها لاعب أساسي وأصيل في الكون السياسي.
يومها وقف فؤاد سراج الدين وقال: تقطع يدي ولا يقطع السودان، لأن السودان كان متحداً مع مصر، وكان فاروق يسمى صاحب مصر والسودان، وكان الإنكليز يضغطون عليه لفصل السودان عن مصر، ويرد بأنه لا يملك ذلك لأن البرلمان والشعب سيثأران منه، ولما جاء عبدالناصر فصل السودان بخفة وطيش. لا أود أن أطيل ولكن أقول: لماذا تقدم الصليبيون والبوذيون والهندوس وكل الملل وتخلف المسلمون؟ فلا يجوز أن نضع اللوم على الاستعمار، فالهند والصين قد عانتا أشد ألوان القهر الاستعماري إلا أنهما حققتا أهدافهما، والشعب السوري لديه الطاقة الخلاقة المحترفة التي يملك بها تحقيق المعجزات على كل الصعد، فنسأل الله أن يوفقه إلى كل خير.