محمد العدساني والمهمة المستحيلة
في التثمين وحوله، القضية تتجاوز حدود المعقول، إلى اللامعقول.
وأي دارس لميزانيات التثمين عبر السنوات سيكتشف سريعاً درجة ارتباط ارتفاع ميزانيات التثمين بالتغيرات السياسية، فعندما غاب المجلس من 1976 وحتى عودته 1981، ارتفعت مخصصات التثمين بأضعاف ما كانت عليه سابقاً كما سنرى، فصار ضرورياً مراجعة مقولة «الأمور كانت على خير ما يرام» في تلك الحقبة.
كان قرار الشيخ عبدالله السالم بالحد من الملكية الخاصة، عام 1954، من أخطر القرارات في تاريخ الكويت، وكان بسبب سعار المطالبات بالاستيلاء على الأراضي، تمهيداً لتثمينها. وقد زادت الضغوط على الشيخ عبدالله السالم، لدرجة أنه أعلن استقالته مرتين، في بدايات توليه الحكم، فاضطر إلى أن يتخذ ذلك القرار للحد من الاستيلاء المطلق على البلد.
ولو لم يصدر ذلك القرار في ذلك الوقت المبكر من إعادة إنتاج الاقتصاد السياسي، لكانت الكويت اليوم مملوكة بالكامل بين شخصين أو 3 من الشيوخ. فوثائق سندات الهبة كانت تحدد الأرض ب «يحدها الفضاء شمالاً» هكذا، أو «يحدها الأفق» هكذا.
وليس «سدرة العوسجية» مثلاً، أو «حوطة خزعل» في المنقف جنوباً مثلاً، ولذلك أصدر الشيخ قراره التاريخي، محولاً الكويت كلها تقريباً إلى أملاك دولة.
وبالتالي، وقد بلغ التسيّب مبلغاً، لدرجة تزوير وثائق الأراضي من قبل مسؤولين كبار في البلدية، ومرّت دون حساب، وخلالها ظهرت لنا الشخصية الأسطورية «فرّاش البلدية»، الذي اتهموه بأنه كان المسؤول عن التزوير، وأُبعد عن البلاد دون حتى محاكمة، ولولا سؤال برلماني وجّهه النائب السابق أحمد النفيسي في مجلس 1971، وجرأة وزير الدولة عبدالعزيز حسين في الرّد، لما كان هناك ذكر لتلك الفضيحة الكبرى، المرتبطة بالتثمين، إلا أن لذلك حديثاً آخر.
على مدى 29 عاماً تقريباً، تم إنفاق أكثر من مليارَي دينار امتدت من 1952 إلی 1981، حتى مع تغيير سعر العملة من الروبية إلى الدينار.
وكان لافتاً أنه في حين بلغت ميزانية خطة التنمية عام 1952 نحو 10 ملايين دينار، والتي شملت المستشفيات والمناطق الجديدة والمدارس والطرق وتقطير المياه، وجامعة الكويت التي استخدمت كثانوية الشويخ لعدم وجود عدد كافٍ من الطلبة، تم رصد ميزانية 5 ملايين دينار للتثمين، أي نصف ميزانية التنمية الحقيقية لا ميزانيات التنمية التي نراها ولا نراها.
أدرك محمد العدساني، منذ توليه رئاسة المجلس البلدي، خطورة استمرار التثمين على كيان البلد، وبالذات بعد اطّلاعه على الدراستين الدوليتين عن الاقتصاد الكويتي، اللتين طالبتا بإيقاف التثمين لضرره الفادح.
كان الرجل من أولئك الأشخاص المخلصين، الحريصين على إصلاح الخلل الواضح، فكان أن أدى واجبه بفطنة والتزام، مثله مثل كثيرين من أهل البلاد الذين حاولوا، فتعرّضوا للأذى، والأمثلة على ذلك كثيرة مع الأسف. وللحديث بقية.