سورية: تجميد الدستور... وتركيا تثبّت حضورها

هاكان وقالن في دمشق
• تشديد دولي على انتقال «غير طائفي»
• الأكراد يرفعون العلم الجديد

نشر في 13-12-2024
آخر تحديث 12-12-2024 | 20:11
قررت حكومة تسيير الأعمال المؤقتة في سورية، التي عينتها الفصائل المعارضة، تجميد الدستور والبرلمان خلال المرحلة التي ستمتد ثلاثة أشهر، فيما زار وزير الخارجية ورئيس الاستخبارات التركيان دمشق في خطوة لتثبيت الحضور التركي في المرحلة المقبلة.

في وقت تتعهد الفصائل المسلحة، التي أطاحت الرئيس السوري بشار الأسد، الأحد الماضي، ببناء دولة موحدة وشاملة، عقب 14 عاماً من الحرب الأهلية، أعلن المتحدث باسم إدارة الشؤون السياسية السورية عبيدة أرناؤوط أنه سيتم تجميد الدستور والبرلمان خلال الفترة الانتقالية التي ستمتد ثلاثة أشهر بقيادة حكومة محمد البشير.

وقال أرناؤوط من مقر الهيئة العام للإذاعة والتلفزيون في دمشق، أمس، قررنا «خلال اجتماع لوزراء الثورة عن حكومة الإنقاذ المعارضة مع الوزراء السابقين بحكومة النظام من أجل نقل الصلاحيات هذه المرحلة ستسمر ثلاثة أشهر، ريثما يتم تشكيل الحكومة الجديدة، وطبعاً سيجمد الدستور والبرلمان» خلال هذه المدة.

وجاء إعلان السلطات المعارضة التي تهيمن عليها «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع الملقب بـ «أبومحمد الجولاني» بالتزامن مع تأكيد «الائتلاف الوطني»، الذي يضم خليطاً من الأحزاب والحركات السياسية أن المرحلة الحالية التي تمر بها البلاد «حساسة جداً»، وأن المصالحة الوطنية الشاملة تقوم على إشراك «كل مكونات الشعب دون تمييز» في عملية بناء الوطن.

وناقش عضو الهيئة السياسية للائتلاف أحمد بكورة، خلال لقاء بالعاصمة السورية مع قيادات دينية ومجتمعية ودبلوماسية ومسؤولين سابقين في حكومة الأسد، «سبل ضمان مشاركة جميع السوريين في بناء السلم الأهلي وتعزيز التماسك المجتمعي في سورية عموماً ودمشق خصوصاً».

دول عربية تستأنف العمل في بعثاتها الدبلوماسية و«الائتلاف السوري» يدعو لمصالحة شاملة تقوم على إشراك الجميع

ومع بروز أصوات داخل التنظيمات المتشددة ومن بينها «حزب التحرير» بإدلب تحذر السلطات الثورية وتطالبها بإقامة «دولة إسلامية وهدم الدولة العلمانية»، شدد بكورة على أن «الائتلاف الوطني يعمل كل ما يلزم لضمان تحقيق أهدافه في دولة مدنية ديموقراطية للجميع». وقال بكورة إن «جميع السوريين بحاجة إلى حياة كريمة ومستقرة وأجواء سلام بعد سنوات طويلة من الحرب».

كما أكد «ضرورة تحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الجرائم، في خطوات أساسية لإعادة بناء الثقة بين السوريين».

حياة وقضية

ومع عودة الحياة تدريجياً لدمشق والمدن التي سيطرت عليها الفصائل أخيراً واصل العديد من السوريين البحث عن أحبائهم الذين اختفوا خلال عقود من القمع العنيف، بينما حذرت إدارة العمليات العسكرية للمعارضة من الاعتداء على الأشخاص والممتلكات.

وبعد تقارير عن وقوع انتهاكات بحق محسوبين على النظام السابق ووقوع مضايقات لأفراد من الأقليات الدينية والعرقية بالمناطق التي سيطرت عليها المعارضة، قالت «العمليات العسكرية» في بيان: «تهيب إدارة العمليات العسكرية بجميع الثوار الأحرار الالتزام بالتعليمات الصادرة عنها وعن القيادة العامة فيما يخص عدم الاعتداء على الأشخاص والممتلكات تحت طائلة المحاسبة». وأكدت أن «أي تصرف فردي لا يتوافق مع هذه التعليمات فهو لا يمثلها وسيواجه بكل حزم وصرامة ويعرض صاحبه للمحاسبة والعقاب».

وفي تطور لافت، أعلنت الإدارة الذاتية الكردية وقوات سورية الديموقراطية «قسد»، التي تعتمد عليها القوات الأميركية الموجودة بسورية لمحاربة تنظيم «داعش»، أنها قررت رفع علم الاستقلال الذي اعتمدته «الثورة السورية» منذ العام 2011، على كل مؤسساتها في مناطق سيطرتها في شمال شرق البلاد، بعيد اشتباكات دامية مع فصائل سورية معارضة، مدعومة من أنقرة، فقدت خلالها «قسد» السيطرة على عدة مناطق ذات أغلبية عربية بالقرب من الحدود التركية قبل أن تنسحب من مدينة منبج بوساطة أميركية.

وأوردت في بيان أن «علم الاستقلال بألوانه الثلاثة: الأخضر والأبيض والأسود مع النجمات الحمراء الثلاث» يعد رمزاً للمرحلة الجديدة» بعد انتهاء «حقبة القمع والتسلط التي فرضها النظام السوري على الشعب لأكثر من نصف قرن». وقالت إنها قررت رفعه «على جميع المجالس والمؤسسات والإدارات والمرافق التابعة» لها في كل مناطق سيطرتها.

في السياق، أكدت وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» أن السجون التي تضم عناصر «داعش» لا تزال تحت سيطرة «قسد»، فيما بدأ وفد أميركي - فرنسي مهمة في شمال شرق سورية بهدف توحيد الموقف الكردي السياسي وتشكيل وفد للتفاوض مع السلطة الجديدة في دمشق.

دعم إقليمي

في غضون ذلك، زار وفد تركي رسمي يضم وزير الخارجية هاكان فيدان ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن العاصمة السورية ليكون بذلك أول وفد دولة رسمي يصل إلى دمشق منذ سقوط نظام البعث الذي حكم البلاد لأكثر من نصف قرن.

وفي حين تمثل الخطوة التركية التي تضمنت إجراء مباحثات مع الجولاني والبشير دفعة دعم قوية من أنقرة للسلطات الجديدة التي تهيمن عليها الحركات المتشددة ولا تحظى باعتراف دولي، أعربت وزارة الإعلام السورية عن شكرها وامتنانها لعدد من الدول، أبرزها الأردن، على استئناف عمل بعثاتها الدبلوماسية في دمشق. وأفادت الوزارة بأن البلاد تلقت وعوداً من كل من قطر وتركيا بإعادة فتح سفارتيهما في سورية قريباً.

ووجهت إدارة الشؤون السياسية شكرها أيضاً لكل من مصر، والعراق، والسعودية، والإمارات، والبحرين، وعمان، وإيطاليا، على استئناف علاقاتهم الدبلوماسية مع دمشق. وأشارت الإدارة إلى أن هذه الخطوات تعكس الاحترام لإرادة الشعب السوري وسيادة الدولة، مؤكدة أن الشعب السوري لن ينسى هذه المواقف المشرفة. وأعربت الإدارة التي شكلتها المعارضة عن أملها في بناء علاقات طيبة مع الدول التي تحترم إرادة الشعب وسيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها.

اجتماع ومطالبات

وبينما يعقد وزراء خارجية «لجنة المتابعة» اجتماعاً استثنائياً بحضور وزراء تركيا والإمارات وقطر، بغياب ممثل دمشق، في العقبة الأردنية غداً لبحث مستجدات الوضع بسورية، اجتمع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني مع وزير الخارجية الأميركي لمناقشة التطورات الإقليمية مع التركيز على الملف السوري قبل أن يتوجه الأخير إلى أنقرة.

وكرر بلينكن خلال وجوده بعمان دعم واشنطن لـ»انتقال جامع نحو حكومة مسؤولة وتمثيلية لكل السوريين». كما أكد «ضرورة احترام حقوق الأقليات وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، ومنع تحول سورية إلى قاعدة للإرهاب أو تشكل تهديداً لجيرانها، وضمان تأمين مخزونات الأسلحة الكيميائية وتدميرها بشكل آمن».

في موازاة ذلك، أعرب قادة مجموعة الدول السبع الكبرى عن استعدادهم لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سورية.

كما دعا القادة كل الأطراف إلى «الحفاظ على سلامة أراضي سورية ووحدتها الوطنية واحترام استقلالها وسيادتها».

من جهته، شدد مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسن على أن العملية الانتقالية يجب أن تكون جامعة لتجنب «حرب أهلية جديدة»، مندداً بالفظاعات التي شهدها سجن صيدنايا ومراكز الاحتجاز الأخرى ونشرت صورها في الأيام الأخيرة كدليل على الوحشية التي لا يمكن تصورها والتي عانى منها السوريون عقوداً.

قصف وتوغل

من جانب آخر، بدأ الجيش الإسرائيلي في تهجير أهالي قريتين في محافظة القنيطرة حيث وسع توغله بالجنوب السوري، فيما أبلغ رئيس وزراء الدولة العبرية بنيامين نتنياهو الولايات المتحدة بضرورة منع «الأنشطة الإرهابية» من سورية ضد إسرائيل.

وقصف الجيش الإسرائيلي مجدداً مواقع عسكرية على الساحل السوري ليل الأربعاء ـ الخميس. كما قصفت مقاتلات حربية عدة مواقع في دمشق.

وذكر «تلفزيون سورية» التابع للمعارضة أن «جيش الاحتلال دخل الأطراف الغربية لبلدة جباتا الخشب بريف القنيطرة وطالب الأهالي بتسليمه ما لديهم من أسلحة»، كما تمركزت أربع دبابات و3 آليات عسكرية أمام مبنى المحافظة.

تعزيزات عراقية

وعلى الجانب العراقي من الحدود، وصف نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية فؤاد حسين، الوضع في المنطقة وخاصة بسورية بالمعقد جداً.

ورأى حسين أن «من واجب العراق طرح بعض المسائل المتعلقة بالأزمة السورية والشعب السوري بهدف تحقيق الاستقرار السياسي الذي يشمل جميع مكونات الشعب السوري».

وفي حين أشار وزير الخارجية العراقي أن بلاده جزء من التحالف الدولي ضد «داعش» ومستمر في مكافحة الإرهاب «أينما وجد»، أكد رئيس الأركان الفريق أول عبدالأمير رشيد يار الله، أن «الوضع في سورية غير مستقر ولن نسمح بتهديد حدودنا التي تم تعزيزها بخط دفاعي من الجيش والحشد الشعبي».

3 سنوات على الأقل لبناء جيش سوري جديد

طرح إعلان إسرائيل تدمير نحو 80% من قدرات القوات البرية والبحرية والجوية للجيش السوري في أكبر حملة جوية في تاريخها تلت سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، تساؤلات عن فرص بناء جيش سوري جديد في المستقبل، والتحديات التي يمكن أن تواجه القيادة الجديدة في سورية بهذا الشأن، فيما يؤكد خبراء أن ذلك يحتاج لسنوات ولميزانيات ضخمة، حسب موقع «الحرة».

ويرى الخبير العسكري، إسماعيل أبوأيوب أنه «إذا أرادت الدولة الوليدة بناء جيش تحتاج على أقل تقدير من 3 إلى 5 أعوام». وذكرت مصادر إعلامية إسرائيلية أن إعادة ترميم الجيش السوري قد تكلف عشرات أو مئات المليارات من الدولارات، وقد تمتد لجيل كامل.

ويؤكد الخبير العسكري، محسن المصطفى أنه «من ناحية القدرة اللوجستية من المؤكد أنها تحتاج سنوات طويلة، فالدولة بحاجة لأموال طائلة لإعادة بناء القدرات العسكرية السورية من جديد، وبحاجة لدول تقبل تزويد سورية بالأسلحة، والعمل على استمرار تطوير هذه الأسلحة بشكل مستدام».

«إيغور سورية» يقلقون بكين

عادت قضية وجود مقاتلين من عرقية الإيغور المسلمة، التي تتمركز في منطقة شينغيانغ شمال غرب الصين، في سورية، إلى الضوء، بعدما عرّفت مجموعة مسلحة، خلال كلمة باللغة العربية في أحد مساجد اللاذقية، نفسها على أنها مجموعة من المجاهدين القادمين من «كردستان الشرقية»، وهي التسمية التي يطلقها الانفصاليون الإيغور على شينغيانغ، وأنها موجودة في سورية منذ عام 2012. وتعهد المتحدث باسم المجموعة بأن الأخيرة، وبعدما شاركت في الهجوم على دمشق، ثم عادت إلى اللاذقية «لن تزعج أهل المنطقة»، بل سوف «ترون منا كل الخير»، في إشارة إلى أنهم لن يغادروا الأراضي السورية في أي وقت قريب. وطبقاً للمعطيات لدى السلطات الأمنية السورية في النظام الساقط فإن عددهم يتراوح بين 4 و5 آلاف مقاتل.

ووفق «فورين أفيرز»، فمن المحتمل أن تكون أي قيادة جديدة في دمشق حريصة على بناء علاقات جيدة مع بكين، وسط تراجع الناتج المحلي الإجمالي في سورية بنسبة 85% بفعل الحرب، وأن الخطوة الأولى في اتجاه «توطيد الروابط»، قد تكون تعهد القيادة الجديدة بما في ذلك «هيئة تحرير الشام» بالتخلص من تلك الجماعات. ولا يمكن لهؤلاء المقاتلين العودة الى الصين بعد أن دمروا وثائقهم الثبوتية، كما أنهم سيواجهون أحكاماً طويلة بالسجن لتورطهم في الإرهاب، وسيكون مصيرهم موضع متابعة في بكين.

«حرس إيران» يقر بـ «الضربة السورية»: كنا آخر المغادرين... وعلينا التكيف

وجد الحرس الثوري الإيراني نفسه تحت المساءلة في الأيام الأخيرة، بعد أن تلقت إيران ضربة قوية بسقوط نظام حليفها بشار الأسد في سورية.

وقال قائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء حسين سلامي، في أول تعليق له على الأحداث في سورية، أمس: «أنا فخور بإخباركم جميعاً بأن آخر الأشخاص الذين تركوا خط المقاومة في سورية هم الحرس الثوري الإيراني. آخر شخص غادر هذه الساحة كان حارس أمن إيرانياً».

وأضاف سلامي: «البعض كان يتوقع منّا أن نقاتل بدلاً من الجيش السوري. فهل يعقل أن نشرك كل الحرس الثوري وقوات التعبئة للقتال في دولة أخرى، بينما جيش تلك الدولة يتفرج؟ في الوقت الذي أغلقوا أمامنا جميع الطرق المؤدية لسورية»، في إقرار بأن طرق الإمداد الى سورية باتت مغلقة بوجه إيران، بما في ذلك من العراق الذي تتمتع فيه إيران بنفوذ كبير.

ووفق سلامي، فإن «إيران كانت على علم بتحركات المسلحين والتكفيريين في سورية خلال الأشهر الأخيرة، وتمكّنا من تحديد جبهات الهجوم المحتمل، وأبلغنا المعنيين عسكرياً وسياسياً في سورية بذلك، لكن لم تكن هناك إرادة للتغيير والحرب».

وبعد «الضربة السورية» وتلقي حزب الله في لبنان خسائر فادحة في حربه مع إسرائيل، دفعته، حسب رأي مراقبين، للقبول بوقف لإطلاق النار ليس لمصلحته، أقر سلامي، الذي كان يتباهى بعض جنرالاته بالسيطرة على أربع عواصم عربية، بالتغييرات، داعياً إلى «التكيف مع الوقائع» الجديدة في سورية، ومعتبراً أن «الاستراتيجيات يجب أن تتغير وفقاً للظروف، ولا يمكننا حل العديد من القضايا العالمية والإقليمية بالجمود واستخدام التكتيكات نفسها».

وأضاف: «يروّج بعض الأشخاص في الأوساط السياسية والمثقفين وبين عامة الناس إلى أن جمهورية إيران الإسلامية قد فقدت أذرعها الإقليمية، لا، النظام لم يفقد ذراعيه. نحن نتخذ القرارات ونتصرف بناءً على قدراتنا وإمكاناتنا الداخلية».

وفي بيان منفصل، قال الحرس الثوري إن «تشكيل شرق أوسط جديد وهيمنة الصهاينة على مصائر شعوب المنطقة مجرد وهم وحرب نفسية». ودان الحرس «استغلال أميركا والكيان الصهيوني للظروف الحالية في سورية واحتلالهما بعض الأراضي هناك»، مضيفاً أن «جبهة المقاومة الإسلامية، تحت لواء مدرسة المقاومة، ستواجه بحزم وذكاء أي خطط تستهدف زعزعة المقاومة أو إضعاف قوة واقتدار دول المنطقة».

back to top