السمنة والجينات والبروفيسور فوزان
قبل فترة، تشرفت بلقاء البروفيسور فوزان القريع، أستاذ الجينوم بجامعة الفيصل، وذلك خلال استضافته في بودكاست مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، كونه أحد الفائزين بجائزة الكويت في مجال العلوم الطبية، التي تمنحها المؤسسة سنويًا للعلماء العرب أصحاب الإسهامات البارزة في مجتمعاتهم، ودار بيننا نقاش ممتع حول أسباب ارتفاع معدلات السمنة في دول الخليج العربية، والتي تُعد من الأعلى عالميًا، فالكويت، على سبيل المثال، تحتل مراكز متقدمة في هذا المجال بنسبة تزيد على 35%، في حين تتراوح النسبة في البحرين وقطر والسعودية بين 30 و35%.
السمنة تُعد مشكلة معقدة تتداخل فيها عوامل عديدة، منها الوراثة، ونمط الحياة، والنظام الغذائي، وكان تركيزنا في الحديث مع البروفيسور فوزان على الجوانب الجينية الخاصة بمنطقتنا، التي تسهم في ارتفاع معدلات الإصابة بالسمنة.
ناقشنا نظرية منطقية ترى أن الظروف التاريخية للمنطقة، التي اتسمت بشح الموارد الغذائية بسبب الطبيعة المناخية والبيئية، منحت الأشخاص الذين يحملون أنماطًا جينية تبطئ عملية الأيض ميزة البقاء، هذه الجينات ساعدتهم في التأقلم مع قلة الموارد الغذائية ومنحتهم فرصة أكبر للنجاة، مما جعلها تنتشر بصورة أوسع مع مرور الزمن في سياق ما يُعرف بـ«البقاء للأصلح».
لكن مع النهضة الاقتصادية في منتصف القرن الماضي واكتشاف النفط، تغيرت أوضاع المجتمعات الخليجية، وأصبح الغذاء متوافرًا بوفرة، وتغيرت أنماط الأطعمة لتشمل تلك الغنية بالسعرات الحرارية، وهنا تحولت الميزة التي منحتها هذه الجينات في الماضي إلى «وبال»، كما وصفها البروفيسور فوزان، إذ أصبح حاملو تلك الأنماط الجينية أكثر عرضة للإصابة بالسمنة.
حل مشكلة السمنة الأكثر واقعية يكمن في تبني أنماط حياة صحية تعتمد على ممارسة الرياضة بانتظام والالتزام بتناول الأغذية الصحية، ومن خلال هذه التغيرات فقط يمكننا التأقلم مع متغيراتنا الجينية والتخفيف من آثارها على صحتنا، كما أن الثورة الصحية القائمة على البحث العلمي ستسهم بلا شك في إيجاد علاجات فعالة لهذه المشكلة، أما انتظار عجلة التطور الداروينية لتُجري تعديلاتها واختيار الجينات الأفضل، فقد يستغرق آلاف السنين، لكنها حتمًا ستنجح يومًا ما!