أعادتني مشاهد المعتقلين في سجون نظام الأسد إلى معتقل أبوصخير القريب من البصرة، الذي كنت أسيراً فيه مع أكثر من 1000 كويتي، حيث عانينا البرد الشديد بلا أغطية ولا أكل ولا ماء، ونسمع الشتائم والإرهاب يومياً.

في هذا السجن علمنا بتحرير الكويت من خلال راديو صغير اشتراه بعض السجناء الكويتيين من أحد الحراس، وقرروا أن يبقوه معي في سريّة تامة، لأني كنت السجين الوحيد بحكم التخصص الذي سُمِح لي بالطواف على الزنزانات لعلاج المرضى، فكنت أسمع أخبار الكويت وأبلغها إخواني الأسرى، ومثل فرحة السوريين بتحرير بلادهم فرحنا نحن بالتحرير وبخروجنا من الأسر والعودة إلى بلادنا ولقاء الأهل والأبناء، فهي لا تعادلها أي فرحة، ولا يستطيع أي قلم أن يصف مشاعرنا في ذلك اليوم واختلاط الفرح بالدموع والسجود شكراً لله.

Ad

وفي كثير من بلاد العالم قادة خدعوا شعوبهم وأفسدوا بلادهم، وأصبحوا رموزاً للطغيان والبطش بالإنسان، فكانت عاقبة أمرهم خسراً، مثل صدام حسين، والحكام العلويين الذين دمروا سورية وأدخلوا الغزاة فيها من كل صوب، فهل كان ابن تيمية يعلم الغيب عندما حذّر قبل 800 سنة من العلويين؟

وعندما سمّى العقاد، يرحمه الله، الثورة الشيوعية في روسيا (مذهب ذوي العاهات) ورأى استحالة استمرارها، فهل كان يعلم أنها ستسقط بعد سبعين سنة، بعد أن أزهق لينين ومن بعده ستالين ملايين الأرواح للحفاظ عليها؟

بينما يوجد قادة ومفكرون اتخذوا القرار السليم في الوقت الخطير، فكانت قراراتهم فتحاً عظيماً لبلادهم، وحياة طيبة لشعوبهم، مثل الشيخ مبارك الصباح، يرحمه الله، فهل كان الشيخ مبارك يعلم الغيب عندما عقد معاهدته مع الإنكليز قبل الحرب العالمية الأولى بسنوات، وأن هذه المعاهدة ستحفظ، بإذن الله، الكويت من تقسيم «سايكس بيكو»، وستتمخض عن دولة بهذا الجمال وهذه الثروة؟

وهل علم الشيخ ابن باز الغيب عندما عقد مؤتمره في مكة وفتواه بجواز تحرير الكويت شرعاً بمساعدة القوى الدولية، وأنه سيكون لهذه الفتوى، بفضل الله، هذا الأثر العظيم على استقرار الجزيرة والخليج؟

بالطبع لا أحد يعلم الغيب إلا الله، فقد أخبر تعالى عن نفسه: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا»، ولكنْ هناك قادة ومفكرون وهبهم الله رؤية ثاقبة ومشاورة أهل الرأي، واستشراف المستقبل، وإحاطة بالواقع السياسي وتجارب التاريخ، فاتخذوا القرار السليم الذي حفظ الله به البلاد والعباد، والأمثلة عبر التاريخ كثيرة وتدعو كل السياسيين والمفكرين إلى دراستها لاتخاذ القرار السليم.