أخيراً، تحقق حلمنا بإطلاق سراح شعب بأكمله وليس فقط سجناء صيدنايا، الذي كشف شراسة وعهر نظام كان يتلذذ بتعذيب واغتصاب الضحايا قبل قتلهم ليشبع وحشيته وساديته المفرطة، وإلا فما الفائدة من تعذيبهم إن كنت ستقتلهم ولن يخرجوا ليرى المواطنون آثار تعذيبهم فيخافوا ولا يطالبوا بإسقاطك!
كم تمنينا نهاية للأسد وزوجته كنهاية طاغية رومانيا تشاوتشيسكو، الذي أمر العسكر بإطلاق النار على المتظاهرين الذين عاشوا تحت الصفر وبأكثر دول العالم قمعاً، حيث كان قصره ثاني أكبر مبنى بالعالم وكلف ثلث الناتج القومي، فحاول الهروب نهاية الثمانينيات فاعتقله العسكر وحاكموه لساعة واحدة ليُعدم هو وزوجته رمياً بالرصاص.
إنها قوى خارجية، تلك التي أسقطت الأسد خلال ساعات، وليست المعارضة التي حاربت اثني عشر عاماً بكل أسلحتها، ولم تحقق ذلك، ليقول أحد المراقبين إن رصاصة لم تطلق ببعض المناطق ودخلتها المعارضة على ظهر سيارات صالون لا دبابات، وعليه فنفس القوى الخارجية ستكون المتحكمة بمستقبل سورية لا شعبها! قوى تستطيع قلب موازين الأنظمة العربية على رؤوس اللي خلفوهم بدقائق!
إن «الجوكر» في لعبة السيطرة على المنطقة الذي كان يخطط ويرجح كفة المنتصر بصراعات الشرق الأوسط هي العمّة إسرائيل التي بمثل هذا اليوم قبل 106 أعوام عُقد أول مؤتمر لها من اليهود والنازيين سبقه مؤتمر بازل 1897، وقد ذكرنا بالمقال السابق كيف يلجأ لها أعداؤها لطلب مساعدتها، من عرب وإيرانيين وأتراك، وها هي تُسقط الأسد الذي كان بالسابق أكثر صلابة. وقد أجبرت هنري كيسنجر لزيارتها بنفس تاريخ اليوم عام 1974 لإقناع دمشق بفك التشابك مع إسرائيل فتحقق لفترة، وبعد ستة أعوام ضمت إسرائيل الجولان والذي يصادف يوم أمس قبل ثلاثة وأربعين عاماً.
إنها حقبة تاريخية لسقوط أحزاب ونظام قمعي توغل فينا فساده، بدأ بحبوب الكبتاغون ووصل للإرهاب، وفرصة لدول الخليج لتعيد هيكلة تحالفاتها مع دول عظمى، كما أنها فرصة للشمال العربي أن يعيد هيكلة أنظمته السياسية ليدعم تعايش العرقيات والمذاهب والأقليات في إطار يستوعب اختلافاتها، والغريب أن تلك الدول كانت أكثر استقراراً تحت أنظمة دكتاتورية وعسكرية، ولما ضحكت على أنفسها بالديموقراطية تناحرت، كما حدث بالعراق الأكثر استقراراً في عهد صدام والأشد تناحراً الآن بالميليشيات والأحزاب المذهبية بعد سيطرة إيران وقلبها لنتائج انتخابات الرئاسة. مصر كذلك لم تستقر إلا بعد عودة قبضة الجيش للحكم بعد فشل الإخوان عقب فوزهم بانتخابات الرئاسة، وسيتكرر مشهد الفوضى بسورية كما هو باليمن ولبنان الذي لم يشهد استقراراً حتى بعد الطائف.
إن ما يؤكد مزاعمنا من إمكانية الاستقرار بعد إعادة هيكلة الأنظمة سواء كدويلات وكونفدراليات أو أقاليم وكونتينات، هو ما حدث في إعادة هيكلة يوغوسلافيا والاتحاد السوفياتي عدا أوكرونيا لمخالفتها شروط الانفصال بمحاولتها الدخول للناتو، ليبقى إعادة النظر بالأنظمة السياسية بالشمال أمراً مهماً حتى لا تشكل تهديداً كما كان يشكله العراق وإيران و»حزب الله» وسورية واليمن على مجلس التعاون الخليجي، ومما يثير الاهتمام أن الدروز في سورية أعادوا النظر منفردين وأعلنوا منذ أيام انقسامهم وانضمام السويداء للجولان لضمان الأمان تحت السلطة الإسرائيلية، يعني ضربوا جميع المسلمات والبطيخ والكلام الفاضي عن الوحدة والقومية والعروبة بعرض الحائط، التي لم نجنِ منها نحن سوى الشعارات والابتزاز المالي من قبل الأشقاء الذين لم تكن الوحدة معهم ضماناً لاستقرار دول الخليج!
***
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي.