غداة نزول آلاف السوريين إلى الميادين، احتفالاً بإسقاط نظام البعث، الذي حكم البلاد لأكثر من نصف قرن، عقب سيطرة الفصائل المسلحة بقيادة هيئة «تحرير الشام» المتشددة على العاصمة دمشق، وفرار الرئيس بشار الأسد الأحد الماضي، استضافت مدينة العقبة الأردنية سلسلة اجتماعات عربية ودولية مشتركة، شهدت توافقاً بشأن ضرورة دعم عملية سياسية جامعة يقودها السوريون لإنجاز عملية انتقالية تضمن إعادة بناء مؤسسات الدولة، وتحفظ وحدة سورية وسلامتها الإقليمية وسيادتها وأمنها واستقرارها وحقوق جميع مواطنيها وفقا لقرار مجلس الأمن 2254.

وانطلقت الاجتماعات باجتماع للجنة «الاتصال العربية»، التي تضم الأردن والسعودية والعراق ومصر ولبنان والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، وبحضور وزراء خارجية الإمارات والبحرين وقطر.

Ad

وبعد ذلك اجتمعت اللجنة العربية مع وزراء خارجية تركيا هاكان فيدان، ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن، ونظيره الفرنسي، وممثلين عن بقية أعضاء اللجنة المصغرة حول سورية، المملكة المتحدة وألمانيا، إضافة إلى الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس والمبعوث الأممي حول سورية غير بيدرسون.

وناقشت اللجنة العربية، خلال الاجتماعات التي ضمت ممثلي القوى الدولية الكبرى والإقليمية، الوضع في سورية بعد الإطاحة ببشار الأسد، بهدف دعم إطلاق عملية سياسية شاملة لا تقصي أحداً بقيادة سورية.

مرتكزات عربية

وأصدرت لجنة الاتصال العربية بياناً طالبت فيه بإنشاء بعثة أممية لدعم الانتقال في سورية، مؤكدة ضرورة الوقف الفوري للعمليات العسكرية لبناء سورية الحرة الآمنة المستقرة الموحدة التي يستحقها الشعب بعد سنوات طويلة من المعاناة والتضحيات.

ووصف البيان المرحلة الحالية في سورية بالدقيقة التي تستوجب حواراً وطنياً شاملاً، وأكد الوقوف إلى جانب الشعب السوري، وتقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة الدقيقة، واحترام إرادته وخياراته وحقوق كل مكوناته من دون أي تمييز على أساس العرق أو المذهب أو الدين.

كما شددت اللجنة على دعم عملية انتقالية سلمية سياسية سورية - سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية، بما فيها المرأة والشباب والمجتمع المدني بعدالة، وترعاها الأمم المتحدة والجامعة العربية، ووفق مبادئ قرار مجلس الأمن رقم 2254 وأهدافه وآلياته، بما في ذلك تشكيل هيئة حكم انتقالية جامعة بتوافق سوري، والبدء بتنفيذ الخطوات التي حددها القرار للانتقال من المرحلة الانتقالية إلى نظام سياسي جديد، يلبي طموحات الشعب السوري بكل مكوناته، عبر انتخابات حرة ونزيهة، تشرف عليها الأمم المتحدة، استناداً إلى دستور جديد يقره السوريون، وضمن تواقيت محددة وفق الآليات التي اعتمدها القرار.

ولفت البيان إلى أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة، وتعزيز قدرتها على القيام بأدوارها في خدمة الشعب وحماية سورية من الانزلاق نحو الفوضى والعمل الفوري على تمكين جهاز شرطي لحماية المواطنين وممتلكاتهم ومقدرات الدولة.

وأكدت اللجنة ضرورة تعزيز جهود مكافحة الإرهاب والتعاون في محاربته في ضوء أنه يشكل خطراً على سورية وأمن المنطقة والعالم ويشكل دحره أولوية جامعة، معربة عن التضامن المطلق مع سورية في حماية وحدتها وسلامتها الإقليمية وسيادتها وأمنها واستقرارها وسلامة مواطنيها.

وأوضح البيان أن اللجنة ستعمل على التعاون مع منظمات الأمم المتحدة لتوفير الدعم الإنساني للشعب السوري وتهيئة الظروف الأمنية والحياتية والسياسية للعودة الطوعية للاجئين السوريين.

ودعت إلى تحقيق المصالحة الوطنية ومبادئ العدالة الانتقالية وفق المعايير القانونية والإنسانية من دون انتقامية وحقن دماء الشعب السوري، وأدانت توغل إسرائيل داخل المنطقة العازلة مع سورية، وسلسلة المواقع المجاورة لها بالقنيطرة وريف دمشق، معربة عن رفضها لخطوات الاحتلال وخرق القانون الدولي واتفاق فك الاشتباك المبرم عام 1974.

وطالبت بانسحاب القوات الإسرائيلية وإدانة الغارات على المناطق والمنشآت الأخرى في سورية، مع التأكيد على أن هضبة الجولان أرض سورية عربية يجب إنهاء احتلالها، داعية مجلس الأمن إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف هذه الاختراقات.

وشددت على أن أمن سورية ركيزة للأمن والاستقرار في المنطقة، ويجب بناؤها دولة عربية موحدة، مستقلة، مستقرة آمنة لكل مواطنيها، لا مكان فيها للإرهاب أو التطرف، ولا خرق لسيادتها أو اعتداء على وحدة أراضيها من أي جهة كانت.

وجاء في ختام البيان أن التعامل مع الواقع الجديد سيرتكز على مدى انسجامه مع المبادئ والمرتكزات أعلاه، ولفت إلى أن اللجنة ستتواصل مع باقي الدول العربية والمجتمع الدولي لبلورة موقف جامع يسند سورية في جهودها بناء المستقبل.

مخاطر الانهيار

من جهته، حضّ مبعوث الأمم المتحدة، خلال لقاء مع وزير الخارجية الأميركي، القوى الخارجية على بذل الجهود لتجنب انهيار المؤسسات الحيوية السورية.

وأعرب بيدرسن عن تأييده لعملية سياسية «موثوقة وشاملة» لتشكيل الحكومة المقبلة بدمشق، مشددا على ضرورة الحصول على المساعدات الإنسانية في أقرب وقت ممكن، وأضاف: «إذا تمكنا من تحقيق ذلك فربما تكون هناك فرصة جديدة للشعب السوري».

وخلال لقائه بيدرسن، قال بلينكن إن الأمم المتحدة «تؤدي دوراً حاسماً» في المساعدات الإنسانية وحماية الأقليات السورية، لافتاً إلى أن واشنطن تعمل مع الشركاء في المنطقة لدعم التحول السياسي السوري.

وفي وقت سابق، دعا بلينكن خلال جولته في المنطقة، والتي التقى خلالها زعماء الأردن وتركيا والعراق، إلى عملية «سياسية شاملة» تعكس تطلعات جميع المكونات في سورية.

في السياق، شدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال استقباله مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان ومنسق مجلس الأمن القومي بريت ماكجورك، على ضرورة الحفاظ على وحدة سورية وسلامة أراضيها وأمن شعبها.

وجاء ذلك في وقت شهد سعر صرف العملة السورية ارتفاعاً ملحوظاً، إذ تم تداول الدولار الأميركي الواحد ما بين 11500 و12500 ليرة، بعد يومين من بدء عودة الحياة إلى طبيعتها بالمدن التي سيطرت عليها الفصائل المسلحة وفي مقدمتها دمشق الأحد الماضي.

أهداف تركية

إلى ذلك، أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن بلده قررت إعادة تشغيل سفارتها بدمشق أمس، مشيراً إلى أن القضاء على الميليشيات الكردية السورية المدعومة من الولايات المتحدة هو «الهدف الاستراتيجي» لأنقرة، التي تعد أحد أهم الرابحين في التغيرات الدرامية التي تشهدها سورية حالياً، ودعا أعضاء الميليشيات الكردية المسلحة، التي يتهمها بدعم التمرد الكردي في بلده، إلى مغادرة سورية أو إلقاء السلاح.

كما طالب فيدان حكام سورية الجدد بعدم الاعتراف بالميليشيات، المعروفة باسم «وحدات حماية الشعب»، والتي ترفض أنقرة أن تفصل بينها وبين قوات «سورية الديموقراطية» التي يهيمن عليها الأكراد، والتي تعتمد عليها القوات الأميركية الموجودة بقاعدة «التنف» بسورية في محاربة تنظيم داعش.

وتحدث الوزير التركي عن إقناع بلده لروسيا وإيران بعدم التدخل عسكريا لإنقاذ بشار الأسد خلال مباحثات استضافتها قطر قبل سيطرة المعارضة المدعومة من أنقرة على دمشق.

ضربات ورسالة

من جانب آخر، طالبت الحكومة السورية المؤقتة، التي يقودها محمد البشير، مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بالتدخل العاجل لإجبار إسرائيل على وقف هجماتها العسكرية على الأراضي السورية، والانسحاب الفوري من المناطق التي توغلت فيها عقب سقوط الأسد.

وأتى ذلك في وقت استهدفت ضربات إسرائيلية جديدة مواقع عسكرية في دمشق وريفها. وقال المرصد إن الضربات الإسرائيلية «دمرت معهداً علمياً ومعملاً لسكب المعادن بالبحوث العلمية في برزة بريف دمشق». كما استهدف الطيران الإسرائيلي «مطار الناصرية العسكري الواقع على بعد 17 كيلومتراً شرق مدينة النبك في ريف دمشق الشمالي».

وأضاف المرصد أن غارات إسرائيلية «دمرت مستودعات صواريخ سكود البالستية وراجمات حديثة قرب القسطل في منطقة القلمون بريف دمشق»، إضافة إلى أنفاق تحت الجبال، لافتاً إلى أن الضربات التي وصل عددها إلى نحو 20 تهدف إلى «تدمير ما تبقى من قدرات عسكرية يمكن استخدامها من قبل الجيش السوري المستقبلي».

روسيا وإيران

من جهة ثانية، رصدت تحركات لافتة للقوات الروسية الموجودة على الأراضي السورية، أمس الأول، إذ بدا أن موسكو تستعد لنقل معدات عسكرية من إحدى أهم قواعدها في البلاد باتجاه ليبيا، كما قال مسؤول أمني روسي لـ«رويترز».

وأوردت «نيويورك تايمز» أن التحركات التي تشي بتقلص الوجود العسكري الروسي قد تكون مقدمة لانسحاب تدريجي قد يثير تساؤلات بشأن مستقبل نفوذ موسكو في المنطقة.

وأظهرت صور أقمار صناعية من «ماكسار» التقطت لقاعدة حميميم الجوية قرب اللاذقية تجهيزات لنقل المعدات العسكرية الثقيلة، بما في ذلك مكونات من وحدة دفاع جوي «إس 400».

في موازاة ذلك، رأى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الذي منيت بلده بأكبر خسارة استراتيجية جراء التطورات الجارية، أنه «من السذاجة بمكان أن نتصور أنه بتغيير لون علم دولة سوف تتغير الرؤى والتطلعات الاجتماعية لذلك المجتمع»، معتبراً أن «سورية اليوم تمر بامتحان صعب. وهناك تهديد ناجم عن تحركات التيارات الإرهابية كالقاعدة وداعش، وهذا ما فاقم من القلق في المنطقة، كما أن هناك خشية من أن يجعل الإرهابيون سورية حاضنة آمنة لهم».

من ناحية أخرى، هناك تحديات ناجمة عن الاعتداءات والتدخل العسكري للكيان الصهيوني ومن خلفه أميركا. وذكر عراقجي، في مقال نشرته صحيفة الأخبار اللبنانية، التابعة لـ«حزب الله»، أن «السبيل للخروج من المأزق الحالي يكون عبر الحفاظ على الانسجام والتعايش بين أبناء هذا البلد، وعبر الانتخابات الحرة، ضمن سياق تقرير مستقبل هذا البلد على أيدي جميع أبنائه».