وجهة نظر: صناع السوق ودورهم بتعزيز السيولة في بورصة الكويت

نشر في 16-12-2024
آخر تحديث 15-12-2024 | 17:55
 د. سعود أسعد الثاقب

تشكِّل الأسواق الناشئة فرصة استثمارية واعدة، لكنها غالباً ما تواجه تحديات، أبرزها ضعف السيولة، ما يفقد المستثمرين الثقة بالأسواق. في الكويت، ساعدت ترقية البورصة إلى سوق ناشئ عام 2020 في جذب الاهتمام العالمي، لكنها في الوقت نفسه كشفت عن الحاجة المُلحَّة لتعزيز السيولة وضمان استقرار التداول.

هنا يأتي دور «صُناع السوق»، كأداة استراتيجية لدعم الأسواق الناشئة وتحسين كفاءتها. وفي دراسة أكاديمية محكمة بعنوان «Unlocking Liquidity: The Role of Market Makers in Kuwait’s Emerging Market»، أجريتها بالتعاون مع زميلي في قسم التمويل بجامعة الكويت د. خالد وليد الصباح، ونُشرت في مجلة «Journal of Emerging Market Finance»، قُمنا بتحليل تأثير وجود صُناع السوق على السيولة واستقرار التداول في بورصة الكويت. وتُعد هذه الدراسة الأولى من نوعها في الكويت وعلى مستوى أسواق المنطقة، وتقدم تحليلاً علمياً معمقاً حول دور صُناع السوق في تحسين كفاءة الأسواق المالية.

في الأسواق الناشئة، مثل الكويت، يمثل وجود صُناع السوق عاملاً أساسياً لضمان استقرار السوق وتنشيطه، حيث يسهم في جعله أكثر جاذبية للمستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء. ولدعم فرضية الدراسة، استخدمنا منهجية علمية تعتمد على الفرق في الفروق (Difference-in-Differences)، حيث قمنا بمقارنة أداء الشركات التي وقَّعت اتفاقيات مع صُناع السوق (المجموعة المعالجة) مع الشركات التي لم توقع مثل هذه الاتفاقيات (المجموعة الضابطة). ويظهر الشكل البياني المرفق الاتجاهات في حجم التداول للشركات المعالجة (باللون الأزرق) والشركات الضابطة (باللون الأحمر)، حيث يُظهر أن الاتجاهات كانت متوازية قبل توقيع الاتفاقيات (اليوم 0)، مما يدعم دقة التحليل ومصداقية النتائج.



أظهرت نتائج الدراسة أن الشركات التي استفادت من خدمات صُناع السوق شهدت تأثيرات إيجابية ملحوظة:

• زيادة كبيرة في حجم التداول اليومي وحجم الصفقات، مما يعني أن المستثمرين أصبحوا قادرين على تنفيذ صفقاتهم بسهولة.

• انخفاض عدد الأيام التي لم تشهد تداولاً للأسهم، مما يعكس نشاط السوق وجاذبيته المتزايدة.

• تقلص الفجوة بين أسعار العرض والطلب، مما أدى إلى أسعار أكثر عدلاً وتنافسية.

الأهم من ذلك، أن هذه التحسينات في السيولة لم تؤثر على استقرار السوق، حيث لم يُلاحظ أي زيادة في تقلبات الأسعار. هذا يؤكد أن صُناع السوق نجحوا في تحقيق التوازن بين تحسين السيولة والحفاظ على الاستقرار.

الجدير بالذكر، أن 10 في المئة من الشركات قامت بإلغاء اتفاقياتها مع صُناع السوق، دون أن يؤدي ذلك إلى أي تراجع في مستويات السيولة، إذ لم تُسجل تغييرات ملحوظة في حجم التداول أو الفجوة بين أسعار العرض والطلب بعد الإلغاء، مما يشير إلى أن هذا القرار غالباً ما يكون مدروساً. وسواء أُلغيت الاتفاقيات بعد تحقيق الأهداف المرجوة أو نتيجة لعدم تحقيقها، فإن هذه القرارات الاستراتيجية تُتخذ وفقاً لاحتياجات الشركات ومتطلباتها.

تكمن أهمية هذه الدراسة في تقديم دليل عملي على فاعلية صُناع السوق كحل لتعزيز السيولة، فالأسواق الناشئة، مثل بورصة الكويت، يمكنها الاستفادة بشكل كبير من هذه الآلية لتصبح أكثر تنافسية على المستويين الإقليمي والدولي، كما أن النتائج تساعد الجهات الرقابية في اتخاذ خطوات مدروسة لتطوير السوق بناءً على بيانات وأدلة واضحة.

رغم النتائج الإيجابية، تواجه بورصة الكويت بعض التحديات المتعلقة بتطبيق نظام صُناع السوق، أبرزها:

• ضعف الوعي بدور صُناع السوق، مما يجعل البعض متردداً في دعم هذه التجربة وتطويرها، كما يجعل بعض الشركات مترددة في توقيع الاتفاقيات.

• ارتفاع التكاليف التشغيلية لإدارة صُناع السوق، مما قد يمثل عائقاً أمام البعض الآخر من الشركات.

• نقص تحليل للأسهم وغياب آراء المحللين، مما يقلل من الفهم الكامل لفوائد هذه الآلية.

لمعالجة هذه العقبات، توصي الدراسة بإطلاق حملات توعوية تستهدف المستثمرين والشركات لشرح فوائد صُناع السوق بطريقة مبسطة ومباشرة، وتقديم حوافز مالية للشركات لتشجيعها على توقيع اتفاقيات مع صُناع السوق، وتطوير السياسات الرقابية بشكل دوري، لتعزيز كفاءة هذه الأدوات وتقليل التكاليف التشغيلية، مما يجعل هذه الآلية أكثر جذباً للشركات.

تواجه الدراسة بعض القصور لتعميم النتائج، أبرزها أن الشركات التي وقعت اتفاقيات مع صُناع السوق قد تمتلك مزايا إضافية، مثل وضع مالي أقوى، مقارنة بالشركات التي لم توقّع مثل هذه الاتفاقيات، مما قد يؤثر على المقارنات. كما لم تتطرق الدراسة إلى التأثيرات طويلة المدى لهذه الاتفاقيات، وهو ما يستدعي أبحاثاً مستقبلية لفهم أعمق لتأثير صُناع السوق في مختلف الظروف.

في الختام، صُناع السوق ليسوا مجرد وسيلة لتحسين التداول، بل هم أداة استراتيجية لتعزيز كفاءة الأسواق واستقرارها. أثبتت دراستنا أن وجود صُناع السوق في بورصة الكويت ساهم في زيادة السيولة وتقليل الفجوات السعرية، دون التأثير السلبي على استقرار السوق. وإذا استمرت الكويت في دعم أدوات استثمارية من خلال قوانين رقابية حصيفة وحوافز ملائمة، فيمكن أن تصبح بورصة الكويت نموذجاً عالمياً يُحتذى به في تطوير الأسواق الناشئة، وهذا لن يعزز مكانة الكويت كمركز مالي إقليمي فحسب، بل سيسهم أيضاً في دفع عجلة الاقتصاد الوطني نحو تحقيق أهداف رؤية الكويت 2035.

* قسم التمويل في كلية العلوم الإدارية - جامعة الكويت

[email protected]

تويتر@salthajeb

back to top