الأسد يدافع عن نفسه: لم أغادر سورية بصفقة
الأوروبيون يشترطون إغلاق القاعدتين الروسيتين لمساعدة دمشق... وموسكو تستعين بقديروف
في ظل رواج واسع لـ «نظريات المؤامرة» بشأن الظروف التي أحاطت باختفائه الغامض ليلة سيطرة فصائل المعارضة المسلحة على العاصمة دمشق عقب شنها هجوما خاطفا، الأحد قبل الماضي، خرج الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد ببيان عبر قناة تابعة لمؤسسة الرئاسة على موقع تلغرام، اليوم، دافع فيه عن نفسه، نافياً أن يكون قد غدر بشعبه.
وجاء في البيان المنسوب للأسد أنه «مع تمدد الإرهاب في سورية، ووصوله العاصمة دمشق مساء السبت 7 ديسمبر الجاري، بدأت الأسئلة تطرح عن مصير الرئيس ومكانه، وسط سيل من اللغط والروايات البعيدة عن الحقيقة وبما شكل إسناداً لعملية تنصيب الإرهاب الدولي ثورة تحرر لسورية».
وتابع البيان: «وفي لحظة تاريخية فارقة من عمر الوطن ينبغي أن يكون فيها للحقيقة مكان، فإن ثمة ما يستدعي توضيحه عبر بيان مقتضب، لم تسمح تلك الظروف وما تلاها من انقطاع تام للتواصل لأسباب أمنية بالإدلاء به، والذي لا يغني بنقاطه المختصرة عن سرد تفاصيل كل ما جرى لاحقاً، حين تسنح الفرصة».
وفي البداية نفى الأسد مغادرة الوطن بشكل مخطط له، مبيناً: «لم أغادره خلال الساعات الأخيرة من المعارك، بل بقيت في دمشق أتابع مسؤولياتي حتى ساعات الصباح الأولى من يوم الأحد».
وأوضح أنه مع تمدد الفصائل المسلحة داخل دمشق، قام بالانتقال بالتنسيق مع الروس إلى اللاذقية «لمتابعة الأعمال القتالية منها، وعند الوصول إلى قاعدة حميميم صباحاً تبين انسحاب القوات من كل خطوط القتال وسقوط آخر مواقع الجيش مع ازدياد تدهور الواقع الميداني في تلك المنطقة، وتصعيد الهجوم على القاعدة العسكرية الروسية نفسها بالطيران المسيّر».
وأضاف: «في ظل استحالة الخروج من القاعدة في أي اتجاه طلبت موسكو من قيادة القاعدة العمل على تأمين الإخلاء الفوري إلى روسيا مساء يوم الأحد 8 ديسمبر، أي في اليوم التالي لسقوط دمشق وما تبعه من شلل لبقية مؤسسات الدولة».
ولفت إلى أنه «خلال تلك الأحداث لم يطرح موضوع اللجوء أو التنحي من قبلي أو من قبل أي شخص أو جهة، والخيار الوحيد المطروح كان استمرار القتال دفاعاً في مواجهة الهجوم الإرهابي».
وأكد الأسد أنه «مَن رفض منذ اليوم الأول للحرب أن يقايض خلاص وطنه بخلاص شخصي، أو يساوم على شعبه بعروض وإغراءات شتى، وهو ذاته من وقف مع ضباط وجنود جيشه على خطوط النار الأولى، وعلى مسافة عشرات الأمتار من الإرهابيين في أكثر بؤر الاشتباك سخونة وخطراً، وهو ذاته من لم يغادر في أصعب سنوات الحرب وبقي مع عائلته وشعبه يواجهان الإرهاب تحت القصف وخطر اقتحام الإرهابيين للعاصمة أكثر من مرة خلال أربعة عشر عاماً من الحرب. وأن من لم يتخلّ عن غير السوريين من مقاومة في فلسطين ولبنان، ولم يغدر بحلفائه الذين وقفوا معه، لا يمكن أن يكون هو نفس الشخص الذي يتخلى عن شعبه الذي ينتمي إليه، أو يغدر به وبجيشه».
وتابع: «إنني لم أكن في يوم من الأيام من الساعين للمناصب على المستوى الشخصي، بل اعتبرت نفسي صاحب مشروع وطني استمد دعمه من شعب آمن به. ومع سقوط الدولة بيد الإرهاب، وفقدان القدرة على تقديم أي شيء يصبح المنصب فارغاً لا معنى له، ولا معنى لبقاء المسؤول فيه».
واختتم بالقول: «هذا لا يعني بأي حال من الأحوال التخلي عن الانتماء للوطن وشعبه انتماء ثابتاً لا يغيره منصب أو ظرف انتماء ملؤه الأمل في أن تعود سورية حرة مستقلة».
دعم وجدل
إلى ذلك، أعلن مكتب مبعوث الأمم المتحدة، غير بيدرسون، أنه أبلغ القائد العام لإدارة العمليات العسكرية أبومحمد الجولاني، ورئيس حكومة تصريف الأعمال محمد البشير، خلال اجتماع في العاصمة دمشق بأن المنظمة عازمة على تقديم جميع أشكال المساعدة للشعب السوري. وشدد بيدرسون على الحاجة إلى انتقال سياسي شامل يقوده السوريون بأنفسهم ومبني على المبادئ الواردة في قرار مجلس الأمن 2254، معربا عن أمله بإنهاء العقوبات المفروضة على البلد قريباً.
جاء ذلك في وقت ذكرت القيادة العامة لإدارة العمليات العسكرية أن الجولاني ناقش مع بيدرسون «ضرورة إعادة النظر في القرار 2254 نظراً للتغيرات التي طرأت على المشهد السياسي».
وأضافت أن الجولاني أكد «ضرورة التركيز على وحدة الأراضي السورية وإعادة الإعمار وتحقيق التنمية الاقتصادية، مع توفير بيئة آمنة لعودة اللاجئين وتقديم الدعم الاقتصادي والسياسي لتحقيق ذلك».
وتزامن ذلك مع جدل بين الأحزاب والفصائل السورية المعارضة بشأن قرار مجلس الأمن، إذ اعتبرت «هيئة التفاوض» أن القرار الدولي الذي طالب الجولاني بتحديثه «يُمثّل وسيلة حقيقية لبناء دولة مدنية ديموقراطية تمنح الشعب الحق في اختيار ممثليه دون ترويع أو خوف، في بيئة آمنة ومحايدة».
ودعا رئيس الهيئة، بدر جاموس، إلى «حوار سوري - سوري بإشراف الأمم المتحدة في دمشق»، تشارك فيه السلطة المؤقتة، و»هيئة التفاوض»، والقوى الثورية، والمجتمع المدني، وبقية مكونات الشعب السوري، لتطبيق بنود القرار.
وفي السياق، أطلقت «الإدارة الذاتية الديموقراطية لإقليم شمال وشرق سورية»، مبادرة من 10 نقاط لبدء حوار وطني سوري شامل، ودعت الادارة الكردية إلى عقد اجتماع عاجل في دمشق بمشاركة القوى السياسية لتوحيد الرؤى بشأن المرحلة الانتقالية.
وقالت الهيئة الكردية، التي نفت في وقت سابق أي تفاهم مع الفصائل المسلحة بقيادة «تحرير الشام»، إن «سياسة الإقصاء والتهميش يجب أن تنتهي، ويجب أن تشارك جميع القوى السياسية في بناء سورية الجديدة بما في ذلك الفترة الانتقالية».
وأتى ذلك في وقت أفيد بتوافق بين قوات «قسد» الكردية والفصائل برعاية أميركية على وقف التصعيد في منبج قرب الحدود التركية.
في غضون ذلك، أعلن الاتحاد الأوروبي إرسال وفد دبلوماسي رفيع المستوى إلى دمشق لمناقشة العلاقة المرتقبة مع الإدارة السورية الجديدة التي تهيمن عليها هيئة تحرير الشام المتشددة بزعامة أحمد الشرع المعروف بـ «الجولاني».
وأوضحت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، كايا كالاس، قبيل اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد في العاصمة البلجيكية بروكسل، أن تصرفات الإدارة الجديدة التي سيتم تشكيلها بعد انهيار نظام «البعث»، ستكون حاسمة في الخطوات التي سيتخذها الاتحاد في الأسابيع المقبلة، بينما اعتبر المتحدث باسم التكتل، كريستوف لوموان، أنه من السابق لأوانه مناقشة رفع العقوبات المفروضة على سورية.
في موازاة ذلك، كشفت وزارة الخارجية الفرنسية أنها سترسل وفدا دبلوماسيا إلى دمشق اليوم للمساهمة في «انتقال شامل وسلمي» للسلطة، وبهدف تقييم الاحتياجات الإنسانية العاجلة للشعب وكذلك الوضع السياسي والأمني على الأرض. وفي وقت تبدي القوى الغربية تريثا بالتعاطي مع الوضع القائم بدمشق، أكد وزير خارجية هولندا، كاسبار فيلدكامب، أن إغلاق القواعد الروسية في سورية، سيكون ضمن الشروط الأوروبية لتقديم الدعم للحكومة السورية الجديدة. وأشار فيلدكامب إلى أن رفع العقوبات سيكون مرتبطاً بإطلاق مسار سياسي وضمان حقوق الأقليات. وبخصوص شطب «تحرير الشام» من لوائح «الإرهاب»، اعتبر وزير الخارجية الهولندي أن هذا الأمر سابق لأوانه.
وفي واشنطن، دعت «الخارجية» الأميركية مواطنيها إلى مغادرة سورية، مشيرة إلى أن الوضع الأمني في البلاد لا يزال متقلبا وغير قابل للتنبؤ، لكنها سمحت برفع علم الثورة على مقر السفارة السورية.
غموض روسي
في المقابل، أوضح «الكرملين» أنه لم يحسم بعد مصير المنشآت العسكرية الروسية في قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية التي تسعى موسكو إلى الحفاظ عليها، بالرغم من سقوط الأسد الذي كانت تساعده في محاربة الفصائل المسلحة التي أطاحته بدعم من تركيا.
وغداة إجلاء روسيا جزءا من طاقمها الدبلوماسي في دمشق، قال الناطق باسم «الكرملين»، دميتري بيسكوف: «ما من قرار نهائي بشأن التواجد العسكري ونحن على اتصال مع ممثلي القوى التي تسيطر راهنا على الوضع».
لكن رئيس الشيشان المدعوم من «الكرملين» رمضان قديروف طرح اقتراحا برفع اسم «تحرير الشام» من القائمة الروسية للتنظيمات الإرهابية وتشكيل مجموعات اتصال بين البلدين عقب ذلك، معربا عن استعداد الروس لإمداد السوريين بكل احتياجاتهم من القمح بعد تقارير عن وقف موسكو صادرتها لسورية عقب سقوط الأسد. من جانب آخر، أعربت وزارة الخارجية عن إدانة الكويت لقرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالتوسع في الجولان السوري، لما يشكله من انتهاك جسيم لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وقالت «الخارجية»، في بيان اليوم، إن دولة الكويت تدعو المجتمع الدولي لإدانة اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة والتي تهدد استقرار وأمن سورية والمنطقة، مؤكدة أهمية احترام سيادة سورية ووحدة أراضيها، وأن الجولان أرض عربية سورية محتلة، وأن فرض سلطة الاحتلال لقوانينها وإدارتها على الجولان يعتبر باطلا وليس له أي أثر قانوني وفقا لقرارات الشرعية الدولية.
واليوم، حضّت ألمانيا إسرائيل على «التخلي» عن خططها لمضاعفة عدد سكان مرتفعات الجولان المحتلة في جنوب غرب سورية. ميدانياً، اهتزت طرطوس السورية بسلسلة غارات إسرائيلية استمرت 8 ساعات ووصفت بالأكثر رعبا منذ عام 2012، حيث وصل صداها إلى مناطق في شمال لبنان ضمن حملة تدمير مقدرات الجيش السوري والقوات المسلحة، في حين أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أنه «لا مصلحة لتل أبيب في مواجهة سورية».