بلدٌ عربي خليجي مسلم صغير المساحة، يتقدم بكل جرأة لاستضافة كأس العالم، ويدخل في منافسة محتدمة مع دول كبيرة مثل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وأستراليا، ثم يفوز بثقة الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، وينال شرف استضافة المونديال العالمي.

بلدٌ تربَّص به الكثيرون، بين القاصي والداني، مشككين في قدرته على الالتزام بما وعد به أثناء ترشحه لاستضافة الحدث العالمي، حيث لم يكن يملك وقتئذ في عام 2010، سوى استاد دولي واحد، ويتعهد بإنجاز سبعة ملاعب عالمية أخرى، ويفي بإنشائها على أكمل وجه في الوقت المحدد، بل قبله.

Ad

بلد ينجح رغم الكثير من المعوقات التي واجهها، وفي مقدمتها الأزمة الاقتصادية العالمية الطاحنة التي أصابت العالم كله في مقتل، ثم «كورونا» الذي اجتاح المعمورة كلها وغيَّر خريطة أولوياتها وأقعدها حتى عن تلبية احتياجات مواطنيها، ومع ذلك ينجح هذا البلد الصغير فيما خطط له بكفاءة غير مسبوقة.

بلد يتصدى لمحاولات فرض أنماط سلوكية لا ترتضيها أعرافه ولا ثقافته ولا هويته، ويتمكن من إبراز سماحة دينه وإجبار جماهير العالم كله على احترام تلك الهوية، وإبهارهم بما في الشعوب العربية من تسامح ورحابة صدر وتقبُّل الآخر والتفاعل معه وحبه، في تغييرٍ غير مسبوق لتلك الصورة النمطية عن إرهاب المسلمين ورفضهم للآخر.

بلد بوجوه بشوشة، وأخلاق راقية، واستقبال رائع، ومنشآت عالمية، وشوارع نظيفة، ومواصلات ميسرة، وواجهات خيالية، وملاعب مكيفة، واستضافات ودعوات وجهت إلى كل رموز الرياضة العالمية بمن فيهم منتسبون إلى الدول المنتقدة له.

بلد أعاد مواطني الشعوب العربية من الخليج إلى المحيط، إلى ترديد لحن القومية الغائب منذ عقود، إلى روح «بلاد العرب أوطاني» حتى بات كل عربي يفتخر بما حققته الدوحة، وما أنجزته السعودية، وما وصل إليه المغرب، ولا أدل على ذلك من وقوف أمير هذا البلد في المدرجات متشحاً بعلم السعودية، في مقابل اتشاح ولي عهد السعودية بالعلم القطري، إنما هو بلد يعيد إلينا هويتنا ويمحو عن ذاكرتنا القومية ما ران عليها من تراب الفردية والأنانية.

بلد ينتزع اعترافات البعيد قبل القريب، ومن رئيس «الفيفا» نفسه، بأن هذه النسخة من المونديال هي الأفضل استعداداً وتنظيماً في تاريخ كأس العالم.

وفي اليوم الختامي للمونديال الذي يمثل للدوحة، بدلاً من العيد عيدين، أولهما نجاح الفعالية التاريخية المبهرة التي أشاد بها الجميع، والآخر بعيدها الوطني الذي يصادف اليوم نفسه، لا نملك إلا أن نقول هنيئاً لنا بقطر، وهنيئاً لها، أميراً وحكومة وشعباً، على تلك القفزة الحضارية، هنيئاً لهم على عملهم المتقن، وسعيهم الدؤوب، وتخطيهم كل الصعاب، هنيئاً لهم النجاح الساحق رغم المثبطات والانتقادات والافتراءات، هنيئاً لهم هذا الدرس الذي علمونا إياه في التركيز والإنجاز والعمل الجماعي والإصرار على النجاح، وشكراً لهم على تغيير صورة العرب والمسلمين في العالم، شكراً لهم على أن أذاقونا مرة أخرى طعم القومية الجميل الذي افتقدناه كثيراً... شكراً لهم على أن شرفونا جميعاً.