كنت مدعواً لإدارة ندوة في جامعة الدول العربية حول مستقبل النظم الصحية في عصر الذكاء الاصطناعي. خلال الندوة، برز مستشفى «صحة» الافتراضي بالرياض كواحد من أبرز النماذج العالمية التي تعيد صياغة مفهوم الرعاية الصحية. هذا المستشفى ليس مجرد منشأة عادية، بل هو أول مستشفى افتراضي في الشرق الأوسط، وأكبرها عالمياً، وفقاً لموسوعة غينيس للأرقام القياسية. التجربة الرائدة التي يقدمها تمثل نقلة نوعية في تقديم الخدمات الصحية باستخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مما يثير تساؤلات مهمة حول ما إذا كنا نشهد بداية حقبة جديدة للرعاية الصحية.
المستشفى الافتراضي بالرياض يختلف عن المستشفيات التقليدية في كونه يقدم خدماته الطبية عن بُعد للحالات الحرجة والنادرة التي تتطلب مهارات طبية متخصصة أو أجهزة متقدمة غير متوافرة في المستشفيات المحلية. من خلال هذه المنصة الرقمية، يتم ربط المرضى بأفضل الأطباء والخبراء المتخصصين، سواء كانوا داخل المملكة أو خارجها، لتقديم استشارات وتشخيصات دقيقة وسريعة دون الحاجة إلى السفر والتنقل. إلى جانب ذلك، يتيح المستشفى استخدام الروبوتات الطبية لإجراء جراحات نادرة تحت إشراف أمهر الجراحين عالمياً.
هذا التطور لا يسهم فقط في تقليل معاناة المرضى، بل يوفر أيضاً فرصاً للتدريب ونقل الخبرات للأطباء حديثي التخرج، مما يعزز الكفاءة الطبية، ويخلق جيلاً من الكوادر المؤهلة.
المستشفى يقدم أكثر من 30 خدمة تخصصية رئيسية، و80 خدمة فرعية، ويعمل فيه أكثر من 150 طبيباً وطبيبة قدموا خدماتهم لأكثر من 200 ألف مريض خلال العام الماضي فقط. مع توقعات بزيادة هذا العدد إلى 500 ألف مريض سنوياً، يثبت المستشفى الافتراضي أنه جزء لا يتجزأ من استراتيجية التحول الصحي في المملكة، حيث يدعم مباشرة 233 مستشفى حول المملكة، ويعزز الوصول إلى الخدمات الطبية المتخصصة.
ما يميز تجربة المستشفى الافتراضي هو فوائدها الملموسة في تحسين الرعاية الصحية. على سبيل المثال، ساهم المستشفى في تقليل فترات الإقامة في العناية المركزة بنسبة 50 في المئة، وساعد في تحسين وقت إصدار الأشعة التشخيصية بنسبة 96 في المئة. كما أن مرضى القلب والسكتات الدماغية كانوا من أبرز المستفيدين، حيث نجح المستشفى في تقليل فترات انتظارهم في العناية المركزة بنسبة 70 في المئة. علاوة على ذلك، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي في التشخيص ساعد في تحسين دقة الكشف عن الأمراض، مثل: الأورام السرطانية، وقرح القدم السكرية، مما يزيد من فرص العلاج المبكر والوقاية الفعالة.
من الناحية الاقتصادية، أثبت المستشفى الافتراضي فاعليته في خفض التكاليف الطبية، من خلال تقليل الحاجة إلى إنشاء مستشفيات تقليدية مكلفة. كما ساهم في تحسين كفاءة استخدام الأجهزة الطبية، وتقليل معدلات المضاعفات بين المرضى، مما يجعله نموذجاً مثالياً للاستفادة المثلى من الموارد الصحية المتاحة.
إن قصة نجاح مستشفى «صحة» الافتراضي تفتح الباب أمام دول أخرى في المنطقة، ومنها الكويت، لتبني نموذج مشابه يسهم في تحسين القطاع الصحي. في ظل التحديات التي تواجهها المنظومة الصحية في الكويت، يمكن للمستشفى الافتراضي أن يكون حلاً عملياً لتقليل قوائم الانتظار، وزيادة الإنتاجية، وتحقيق مستويات أعلى من الجودة في الخدمات الصحية. من خلال الاستفادة من الذكاء الاصطناعي ومؤشرات الأداء، يمكن تحسين الكفاءة الطبية، ومعالجة مشكلات التضخم الوظيفي، وتحقيق إنجازات طبية ملموسة لكل طبيب.
في الختام، المستشفيات الافتراضية ليست مجرد فكرة مستقبلية، بل واقع يغير وجه الطب عالمياً. مستشفى «صحة» الافتراضي بالرياض يمثل البداية فقط. من خلال تبني التكنولوجيا الرقمية، يمكن أن نتطلع إلى مستقبل صحي أفضل، حيث تُقدم الخدمات الطبية بأعلى جودة وأقل تكلفة، مما يعزز رفاهية المجتمعات، ويدعم استدامة الأنظمة الصحية. فهل ستشهد الكويت قريباً افتتاح «مستشفاها الافتراضي» الخاص بها؟ الأيام القادمة تحمل لنا الإجابة.
وزير الصحة الأسبق