«يشهد الشرق الأوسط تغيرات جيوسياسية بالغة الأهمية تتبعها تغيرات جيوستراتيجية مهمة على دول المنطقة، قد تؤدي إلى تغير في جغرافية دول إن لم يتم استغلال الفرص الاستراتيجية المتاحة».

نبدأ يومنا بهذه المصطلحات التي ترد على أسماعنا باستمرار في نشرات الأخبار ومن المحللين السياسيين دون إدراك لتفاصيلها الدقيقة التي تعنينا كخليجيين أكثر من غيرنا، لذا علينا أن نميز بين مصطلحات مهمة وردت في التصريح السابق كالجغرافيا، والجيوسياسية، والجيوستراتيجية.

Ad

فالجغرافيا مصطلح معروف جيداً يدرس ببساطة المظاهر الجغرافية الطبيعية مثل: الأرض، الجبال، الأنهار، البحار، الهضاب، التربة، السكان، النباتات، الطقس، وكل ما يرتبط بها، أما مصطلح الجيوسياسية فيشمل السياسة الداخلية للدولة وما يتعلق بها مثل الموارد الطبيعية والمالية، والقضايا الحكومية، والقوانين الداخلية، وإدارة الاقتصاد، وكل ما يتعلق بأمور الدولة، أما الجيوستراتيجية فترتبط بتوجه الدولة في السياسة الخارجية، وهي تحدد أين تكثف الدولة جهودها سواء من خلال تخطيط القوة العسكرية أو توجيه النشاطات الدبلوماسية أو كليهما نتيجة لتطور معتبر في العوامل الجغرافية أو العوامل الجيوسياسية أو لأسباب اقتصادية أو أيديولوجية معينة.

وكذلك علينا أن ندرك أن التغيرات في المكونات الجغرافية بطيئة إلى حد كبير في حين أن التغيرات الجيوسياسية أسرع منها، أما التغيرات في القضايا الجيوستراتيجية فهي الأشد سرعة، وقد تحدث في أسابيع أو أشهر، كالذي جرى في الأيام السابقة على أراضي الشام! فالخبراء يرون أن هناك علاقة تبادلية قوية بين التغيرات الجيوسياسية والجيوستراتيجية التي لها تأثير مباشر وغير مباشر على المجال الجيوستراتيجي، وقد تدفع باتجاه إحداث تغيرات جيوستراتيجية، كما أن لها تأثيرا مباشرا على القضايا الجيوسياسية، وقد تمهد الطريق لتغيرات داخلية جوهرية في مكونات الدول، وبالتالي فإن عدم الإدراك الجيد للتغيرات الجيوستراتيجية أو التقليل من شأنها أو الاستهانة بها قد يؤدي إلى عواقب مفاجئة وغير متوقعة.

ومما يجدر الانتباه له أن القوى العالمية تراقب وتتفحص وتمسح بشكل مستمر الأحداث والتغيرات الجيوسياسية في دول المنطقة، وذلك لتتكيف مع هذه التغيرات ولتتعامل معها بطريقة مناسبة قبل أن تؤثر على مصالحها في المنطقة، لذا علينا أن نفهم هذه المصطلحات جيداً، وأن نعي أبعادها الداخلية والخارجية، فالعالم متصل ببعضه بأحداثه وأزماته. فتوقف باخرة في قناة السويس أو البحر الأحمر يقفز بالأسعار ويعطل سلاسل التوريد ويؤخر تسليم شحنات البضائع، والحرب الروسية الأوكرانية أشعلت أسعار الحبوب والسلع الغذائية، أما الأزمة الإقتصادية الصينية الأميركية المتوقع اشتعالها مع بداية الفترة الرئاسية لترامب فستزيد التوترات العالمية كونهما أكبر اقتصادين في العالم.

السؤال هو: أين نحن من كل هذه التحولات العالمية؟ هل استعددنا لهذه التغيرات الجيواستراتيجية التي لها تأثير مباشر على القضايا الجيوسياسية الخليجية والكويتية خاصة؟ وهل استغللنا موقعنا الجغرافي المميز في تحويل الكويت إلى مركز تجاري للتبادل السلعي كما كنا في السابق؟ وهل قمنا بتهيئة منافذنا البرية والبحرية والجوية وبناء مدن حدودية لوجستية؟ وهل استبدلنا بتعاملاتنا المستندية البيروقراطية الورقية المعاملات الذكية الرقمية؟ وهل جرى تحسين مستويات جودة الخدمة وحسن الضيافة في مراكزنا الحدودية والحكومية؟ وهل حجم التبادل التجاري والسلعي والخدمي مع دول الجوار يرقى لمستوى العلاقات التجارية والاجتماعية التاريخية؟ وهل سنواكب دولنا الخليجية في تمكين الكفاءات، وجلب الخبرات، وتوطين الصناعات، وإطلاق المشروعات، وجذب الاستثمارات، والارتقاء بالخدمات؟ وهل سننغلق على أنفسنا أم سننفتح على العالم سياسياً وثقافياً ورياضياً كما فعلت شقيقتنا الكبرى عندما أطلقت ختمًا خاصًا تحت مسمى (أهلًا بالعالم) بمناسبة فوزها باستضافة بطولة كأس العالم 2034؟

إذاً علينا أن نتهيأ جميعنا كخليجيين لهذا الحدث الكبير، من خلال دعم ومساندة المملكة في مشاريعها وتأصيل الشراكة معها، واعتماد ختمها الخاص في منافذنا الخليجية حتى نرسل رسالة موحدة للعالم أجمع نؤكد فيها لهم أن خليجنا واحد وشعبنا واحد ومصيرنا واحد، وأن ماضينا بدأ خليجياً، وحاضرنا مستمر خليجياً، ومستقبلنا سيبقى خليجياً، وحين يتوافد اللاعبون والمشجعون والمحللون والرعاة والمستثمرون من كل أنحاء الكرة الأرضية للمشاركة في بطولة كأس العالم 2034، سيثبت لديهم أن: «مستقبل العالم خليجي».