هل على «سورية الجديدة» تسديد ديون الأسد لإيران؟
قال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، في مؤتمر صحافي بطهران، أمس، إنه سيكون على السلطات السورية الجديدة سداد الديون التي منحتها إيران لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد خلال فترة الحرب الأهلية وفقاً لاتفاقيات ومعاهدات تستند إلى مبدأ «خلافة الدول».
لكن من منظور القانون الدولي، هناك حجج تدعم حق السلطات السورية الجديدة في رفض سداد ديون النظام السابق، خصوصاً إذا تم تصنيف هذه الديون على أنها «ديون بغيضة» (odious debts).
مبدأ الديون البغيضة هو مبدأ معترف به وإن كان محل جدل في القانون الدولي. وينص هذا المبدأ على أن الديون التي يتحملها نظام سلطوي لأغراض لا تخدم مصالح الدولة أو شعبها قد لا تكون ملزمة للحكومة اللاحقة. وفيما يلي تفاصيل هذه الحجة:
• ما هي الديون البغيضة؟
تمت صياغة مبدأ «الديون البغيضة» لأول مرة في أوائل القرن العشرين من الخبير القانوني ألكسندر ساك. ووفقًا لساك: «إذا تحملت سلطة استبدادية ديوناً ليست من أجل احتياجات الدولة أو مصالحها، بل لتعزيز نظامها الاستبدادي، أو لقمع السكان، أو لخوض حرب غير مشروعة، فإن هذه الديون تُعتبر بغيضة بالنسبة لسكان الدولة بأكملها».
وبموجب هذا المبدأ، يمكن للحكومة اللاحقة أن ترفض سداد مثل هذه الديون للأسباب التالية:
- لم يتم استخدام الدين «لمصلحة السكان أو لخدمتهم.
- كان الدائنون على علم «أو كان يجب أن يكونوا على علم» بأن الأموال تُستخدم لأغراض غير مشروعة، مثل قمع المعارضة أو إطالة عمر النظام الاستبدادي.
وفي الحالة السورية: استخدم نظام الأسد السلطوي الأموال لخوض حرب أهلية أضرت بشعبه.
كما أن الدولة الثانية، أي إيران، بصفتها دائناً، تصرفت وفقاً لمصلحتها الخاصة وليس لمصلحة السكان المحليين.
• العلم المسبق للدائنين
من مبادئ الديون البغيضة أن الدائنين كانوا على علم، أو كان ينبغي أن يكونوا على علم، بأن الأموال المُقرضة ستُستخدم لأغراض غير مشروعة أو ضارة بالدولة والشعب.
في الحالة السورية، فان إيران لم تقتصر على تقديم الدعم المالي للنظام السابق فقط، بل تدخلت عسكرياً ضد المتمردين الذين أصبحوا الآن في السلطة.
هذا يُظهر أن القرض لم يكن لمصلحة الدولة أو الشعب، بل كان لتعزيز مصالح سياسية أو عسكرية للدولة الدائنة، ما يضعف شرعية هذه الديون.
بناءً على ذلك، يمكن للحكومة الجديدة أن تُجادل بأن الدولة الدائنة لم تتصرف بحسن نية ولم تكن قروضها مشروعة، مما يُسقط التزام السداد.
• عدم مشروعية القرض بسبب الحرب الأهلية
بموجب القانون الدولي، يُنظر إلى الأموال المُقترضة التي تُستخدم في «حروب أهلية أو نزاعات داخلية» على أنها تُفاقم معاناة الشعب وتُدمر مصالح الدولة.
في الحالة السورية، النظام السابق استخدم القرض «لقمع التمرد الداخلي وخوض الحرب الأهلية»، مما أدى إلى إلحاق ضرر كبير بالشعب والبنية التحتية للدولة.
وبالتالي، يُمكن للحكومة الجديدة أن تُجادل بأن هذه الديون كانت «غير شرعية» لأنها لم تُستخدم لخدمة مصالح الدولة أو الشعب، بل لإطالة أمد النظام السلطوي. لذلك، ووفقاً لهذه الحجة، يُمكن إسقاط الالتزام بسداد هذه الديون.
• ديون الدولة وديون النظام
من المبادئ الأساسية في القانون الدولي التمييز بين «ديون الدولة» التي تُستخدم لصالح الشعب والدولة ككيان قانوني، و«ديون النظام» التي تُستخدم لدعم النظام الحاكم أو لمصالحه الخاصة.
في هذه الحالة، الديون التي تكبدها نظام الأسد كانت بهدف «محاربة المعارضة والحفاظ على بقائه في السلطة» وليس لخدمة الدولة أو مصالح الشعب. وبما أن هذه الديون مرتبطة بالنظام نفسه وليس بالدولة، يُمكن للحكومة الجديدة أن تُنكر مسؤوليتها عن سدادها، باعتبارها «ديوناً شخصية للنظام السابق وليست التزاماً على الدولة ككل».
• السوابق والاعتراف
في وقت أن مبدأ الديون البغيضة لم يتم تدوينه بالكامل، لكن هناك سوابق قامت فيها حكومات لاحقة برفض سداد الديون التي تكبدتها أنظمة غير شرعية: فبعد الحرب الأميركية- الإسبانية عام 1898، رفضت الولايات المتحدة قبول ديون كوبا الاستعمارية، بحجة أنها فُرضت من إسبانيا دون أن تعود بالنفع على الشعب الكوبي. وفي العراق بعد عام 2003، طُرحت حجج بأن نظام صدام حسين تكبد ديوناً بغيضة، وأعيدت هيكلة أجزاء من هذه الديون أو تم شطبها لاحقاً.