جنسية الإنسان هي هويته وكيانه وانتماؤه، ومن حقه بل من الواجب عليه أن يتمسك بها بكل ما أوتي من قدرة وأن يدافع عنها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً... هذا لكل شعوب الأرض عامة، ولشعب الكويت بصفة خاصة، إذ لا يمكن لأحد أن يزايد على هذا الشعب في وطنيته، لأننا بخلاف معظم شعوب الأرض مررنا بتجربة مريرة وخضنا في تاريخنا الحديث نيران غزو أظهرت معدن هذا الشعب ونقاء عنصره ومدى ولائه لوطنه، فكانت خير برهان على حبه لبلاده.
ومنذ البداية نقر بأن أمر منح الجنسية أو سحبها إنما هو قرار سيادي، وليقيننا بتلك السيادية فها نحن نناقش شأنها بهدوء وعقلانية وموضوعية بعيداً عن التعصب لهذا الرأي أو ذاك، آملين إقرار الحق لمستحقه، وسحبه ممن زور أو تلاعب أو تحايل على القانون ليأخذ ما ليس له، شادِّين على أيدي المسؤولين بالتصدي للتلاعبات التي لا نماري في أنها قد حدثت بالفعل، وترتب عليها منح الجنسية لمن لا يستحقها، وهذا الصنف هو من يجب أن توجه إليه حملة سحب الجناسي، دون أن تمتد لتشمل من حصل عليها بالطرق القانونية التي أقرتها الإدارة العامة دون أن يرتكب في ذلك خطأً أو خطيئة أو تجاوزاً.
سحب الجناسي هو تقرير لمصائر الناس وإلغاء لهويتهم ورمي بهم في غياهب المجهول ولجة المتاعب، وعليه يجب التعامل بحساسية عالية وحرص صادق على عدم التعميم في اتخاذ القرار، لأن أغلب حالات السحب طالت متجنسات بموجب المادة الثامنة اكتسبن شرف المواطنة الكويتية منذ عقدين أو أكثر، وباتت هذه البلاد بلادهن، وأصبح حب الواحدة منهن للكويت لا يقل عن حبها لوطنها السابق، إن لم يتجاوزه، ولم يعد أمامهن خيار آخر، وحتى لو حاولن الرجوع إلى جنسياتهن السابقة فقد لا يستطعن الحصول عليها مرة أخرى، ليصبحن بين عشية وضحاها بلا هوية، دون أدنى مراعاة لمشاعرهن بعدما حملن لهذا الوطن كل إخلاص وانتماء، فأصبحن أمهات وربما جدات لآباء وأحفاد كويتيين، وربينهم على حب الكويت والإخلاص لها، ثم تأتي الحكومة لتضرب عرض الحائط بتلك المشاعر النبيلة، وتقول لهن: لستن منا ولسنا منكن، في تنكُّر مُر لا يليق ببلد كالكويت، تمثل القيم الإنسانية وعلاقات الود والمحبة ودواعي الأخلاق والدين تراثه الوطني الأغلى، ما من شأنه أن يخلف في قلوبهن الحسرة والألم والإحساس بالنكران ويقلب منزلة الكويت التي نمت في نفوسهن خلال تلك السنوات الطويلة رأساً على عقب، كما لا يراعي مشاعر ذويهن من أولاد وأزواج وهم يرون أمهاتهم وزوجاتهم يخرجن بقرار خارج دائرة المواطنة محطماً العرى الوثيقة التي تجمع شمل الأسرة الواحدة دون أن يستطيعوا أن يفعلوا لهن شيئاً.
وما ينبغي أن يضعه مسؤولونا في الحسبان هو أن هناك فرقاً شاسعاً بين التزوير أو التلاعب من جهة وبين الخطأ الإداري الذي بموجبه مُنِح شخص ما الجنسية الكويتية من جهة أخرى، فالأول يستلزم التدارك وسحب الجنسية بل العقاب للمتجنس ولمن سهل له هذا التزوير، أما الثاني والذي حدث بحق مجنسات المادة الثامنة فإنما هو خطأ إداري في منح الجنسية بقرار لا بمرسوم، وهو خطأ الإدارة نفسها لا خطأهن، ولا ذنب لهن فيه على الإطلاق، فكيف يعاقبن على ذنب اقترفته يد الإدارة؟! وكيف تتم المساواة بين مزور الجنسية ومن حصل عليها بالقانون، عبر سحبها من الجميع دون تفرقة بين مذنب وبريء؟! وعلى هذا فأولى بمسؤولينا مراجعة هذا الملف كله حالة حالة، بآلية منصفة مع قواعد معلنة ومعايير واضحة.
إننا على يقين بنبل ووطنية الغاية التي قصدتها القيادات السياسية والأمنية في البلاد حتى عمدت إلى هذه الإجراءات. ونحن على يقين أيضاً بأن هذه القيادات تعرف تماماً ما نحمله لها من احترام وولاء، وما نكبره فيها من حرص على الدفاع عن الهوية الكويتية. غير أن معاملة المذنب والبريء والمحتال والأمين على حد سواء أمر من واجبنا تجاه الوطن وقياداته أن ننبه إلى مخاطره.
وبعيداً عن متاهات القانونيين واجتهادات الدستوريين لابد أن نذكر بأن منح زوجات الكويتيين جنسية أزواجهن بموجب المادة الثامنة قد جرى العمل به لسنوات طويلة وتحت بصر الدولة والقانونيين والدستوريين، وكل ما فعلته المتجنسات هو العمل بموجب ما أقره هؤلاء وما لم يعترض عليه هؤلاء... ومن هذه الحقيقة بالذات يجب أن ينطلق العمل على معالجة هذا الأمر بموجب دراسات مستفيضة تحرص على الحق وترفض الظلم وتبحث الآثار والنتائج وتطرح الحلول البديلة التي تحقق الهدف دون أن تلحق الأذى بأمهات أولادنا وزوجات إخواننا، ودون أن تلحق الأذى بالكويت.