في الصميم: سورية عادت لنا جريحةً
إذا أردت تدمير أمة فما عليك إلا أن تنصِّب عليها حكاماً من حثالاتها، وبما أنهم من سقطها فما أسرع أن يحولوا بلدهم إلى مرتع للفساد والظلم والجهل، بإلهاء شعوبهم بالخزعبلات، والغيبيات، والعطلات الدينية، وكثرة الجدل العقيم.
هذا هو الحاصل الآن في عدة دول عربية، كان لها «شنّة ورنّة» فتحولت من دول قوية وفاعلة ومؤثرة دولياً إلى بلاد ضعيفة فاشلة هامشية، بل وتابعة لأمم عدوة لها، هذا ما حصل تحديداً في العراق، وسورية، ولبنان، واليمن، ظلم وتعذيب وحشي وتصفيات عرقية وطائفية لا يمكن حتى تخيلها.
سقوط حكم عائلة الأسد كشف عن وحشية لا مثيل لها، قتَل مئات الآلاف، وشرّد ملايين البشر من ديارهم، وجعل من سورية مرتعاً للفساد، ومن أجل الحفاظ على حكمها الهش سلّموا مصيرها إلى أمم همها الوحيد خدمة مصالحها، فروسيا حصلت على قواعد جوية وموانئ على البحر الأبيض المتوسط ما كانت لتحلم بها، وتركيا سيطرت على شريط حدودي وعلى قواعد لفصائل تدين بالولاء لها من أجل محاربة الأكراد، وأميركا حصلت على قواعد وسيطرت على حقول نفطية.
أما إيران، وما أدراك ما إيران، فكانت المهيمن الحقيقي على معظم التراب السوري بهيمنتها على الحكم السوري، فجعلت من بلاد الأمويين ساحة لتصفية ثاراتها التاريخية، فاستجلبت عصابات وميليشيات طائفية مسلحة من كل حدب وصوب وسلمتهم مصير الشعب السوري ليرتكبوا بحقه جرائم وحشية كشفتها المقابر والسجون وشهود عيان من المعذبين والناجين من طغيانهم، وفضحتهم لقطاتهم الموثِّقة لجرائمهم.
هذا ما تَكشّف في سورية من جرائم، وهذا ما ستكشفه الأيام القادمة في العراق واليمن ولبنان، فموقع «ويكيلكس» كشَف ما فعله نوري المالكي وغيره من جرائم، وفضح دورهم الخائن بتسليمهم أسماء العلماء والطيارين العسكريين إلى فرق الإعدام الإسرائيلية والايرانية التي اغتالتهم، وكشف ما قاموا به، ولا يزالون، من تعذيب وقتل، فهذا ما أكده حقوقيون في القانون الدولي بأن ما كشفته وثائق موقع «ويكيلكس» من حقائق ووقائع كفيلة بإحالتهم جميعاً إلى المحاكم، وفي مقدمتهم نوري المالكي.
ونوري المالكي تحديداً يجب أن يُسأل أيضاً عن «داعش» التي خرجت في عهده من العدم بعدتها وعديدها، وبدأت تقتيلاً في الجميع، ما عدا الإيرانيين والميليشيات والحشود التابعة لها.
***
كانت مثيرة للسخرية شروط «السوداني» تجاه الحكم الجديد في سورية، فهو يطالبه بامتناعه عن الأعمال الإرهابية ضد جيرانه، متغافلاً عن قيام حشود بلاده الشعبية الموالية رسمياً لإيران بالأعمال الإرهابية ضد السوريين وضد غيرهم، وكان عليه أن يُصلح حال بلده ويحرره من التدخل الخارجي قبل أن يطالب غيره بذلك.
***
تصريحات حكّام سورية المتوازنة تبشر بعودتها إلى حضنها العربي، ولكننا نتمنى عليهم أن يأخذوا مساراً ومنحى مختلفاً عمّا نراه الآن، فالوجوه والسحنات الحاكمة به لا تبشر بسورية جديدة منفتحة ومتفتحة، فهناك تصرفات متزمتة تجاه الغير ليس لها أي مسوغ، وستؤدي حتماً إلى التردد بعلاج سورية الجريحة.