سلطت مسألة التوسع في عمليات سحب وفقد الجنسية الكويتية، بما يتجاوز 15 ألف حالة معظمهم من «زوجات الكويتيين» وفق المادة 8 من قانون الجنسية، الضوء على الدور المفقود لوزراء ما يُعرف اصطلاحاً بـ «الملف الاقتصادي» في كبح أو معالجة أو حتى التعامل مع التداعيات الاقتصادية الناجمة عن هذا العدد الضخم من سحب الجناسي، وأثر ذلك على مختلف القطاعات في الاقتصادية كالمصرفية والمالية والتجارية والعقارية، علاوة على بيئة الأعمال.

وغالباً تضمّ المجموعة الاقتصادية في مجلس الوزراء، بشكل رئيسي، وزراء المالية والتجارة والنفط، إلى جانب وزراء ذوي ارتباط معيّن بالملف الاقتصادي كالإسكان والبلدية والشؤون والعدل وحتى الأوقاف، من خلال إدارتها لأملاك «القُصّر» و«الوقف»، مع ارتباط هذه المجموعة بنائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، وهذه المجموعة ليست رسمية تماماً، لكن لديها من التعاملات والتشابك ما يجعل تعاونها ضرورياً إلى حد كبير، خصوصاً إذا ترتّب على اتخاذ قرار معيّن تبعات اقتصادية غير متوقعة، سواء على طبيعة الحقوق والالتزامات والملكيات أو على الآثار الأكثر سلبية في تشجيع إقامة نظام مالي خارج المنظومة المصرفية أو ما يُعرف بـ «محدودية الشمول المالي».

Ad

جدية مفقودة

ومع التوسع في عمليات سحب الجنسية، تبلورت العديد من التطورات التي لم تكن في حسبان متخذي القرار بمجلس الوزراء، بعضها إنساني واجتماعي يمكن تطويقه أو تلافيه، وبعضها اقتصادي يصعب تقليل آثاره، خصوصاً إذا أهملت المعالجة منذ البداية وتفشّت المشكلة لتتحول في مرحلة ما إلى أزمة، وهنا يتطلب الأمر جدية حكومية من وزراء الاختصاص، وهي مع الأسف مفقودة في التعامل مع الأثر السلبي على النظام المصرفي من عملاء ومودعين، إلى جانب رهونات العقار والأسهم وكيفية استيفائها، فضلاً عن ترتيب علاقة مؤسسة التأمينات بالمشتركين والمتقاعدين من فئة المسحوبة جنسياتهم في ترتيب حقوق والتزامات الاستقطاع والمعاشات والاستبدال والقرض الحسن، مروراً بآليات تنظيم إدارة أملاك القصّر إذا كانت «الوصي - الوصية» من المسحوبة جنسياتهم، وصولاً إلى تشابكات الشركاء بملكيات العقار والشركات، وما يرتبط بتعقيدات الأملاك الخارجية، وإمكانية وقف الحساب البنكي وجميع المعاملات إذا فقد أحد الشركاء شرطاً من شروط الترخيص، وهو الجنسية.

مدلولات وسياسات

والحديث عن الدور المفقود لوزراء المجموعة الاقتصادية لا يتعلق بما لا يمكن معرفته من مدلولات اجتماعات مجلس الوزراء، فهي سريّة، بل يتبين من خلال ما يصدر من قرارات تتعلق بسحب أو فقط الجنسية الكويتية دون بيان لأي أثر لسحب الجنسية على البيئة الاقتصادية... إذ لم يصدر مجلس الوزراء أو الهيئات ذات العلاقة المنضوية تحت جهاته ووزاراته الاقتصادية، مثل بنك الكويت المركزي، أو مؤسسة التأمينات الاجتماعية، أو هيئة أسواق المال، أو هيئة القوى العاملة، أو الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، أو إدارة السجل العقاري «وزارة العدل»، وغيرها من الجهات، أي أمر يشير إلى استعداد واضح في التعامل مع التبعات أو حتى الرغبة في أن يتولى الوزير اختصاصاته كعضو ذي صلاحية برسم السياسات العامة في مجلس الوزراء، ولعل الحديث هنا لا يرتبط فقط بدورهم في رسم السياسات بل بعملهم المباشر كوزراء لجهات مرتبطة بتداعيات سحب الجنسية.

بل حتى الدعوة التي وجهها الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية للمسحوبة جنسياتهم لمراجعته الأسبوع الماضي ألغيت إلى حين ترتيب آلية جديدة... دون إعلانها حتى اليوم.

انعدام واضح

وفي الحقيقة، لم يكن عمل وزراء الملف الاقتصادي خلال عقود وسنوات سابقة محترفاً أو مبادراً في التصدي لتداعيات وآثار التحولات المهمة أو الأزمات كالأزمة المالية العالمية 2008 أو أزمة هبوط أسعار النفط 2014 أو جائحة كورونا 2020 إذ كان يتصرف بنظام ردة الفعل المحدودة، لكنه اليوم مع تزايد حجم كرة الثلج أو ظهور رأس جبل الجليد بشكل واضح بدا جلياً انعدام الفعل والعمل من وزراء الملف الاقتصادي مع أنها في هذه المرة، أي سحب الجنسية، أكثر ارتباطاً وتعقيداً في تفكيك تشابكات العلاقات الاقتصادية بين الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة.

امتداد سلبي

ولعل موقف وزراء المجموعة الاقتصادية بكل ما فيه من سلبية في التعامل مع تداعيات سحب الجنسية ليس إلا امتداداً لموقفهم المتوافق مع ممارسة العمل الوزاري من خلال حكومة بلا برنامج عمل منذ تشكيلها قبل أكثر من 7 أشهر، وهو أمر لا يستقيم مع طبيعة اختصاصاتهم الوزارية الاقتصادية والمالية والفنية التي تتطلب وضوحاً في الرؤية والبرنامج وتنفيذ السياسات بغرض تحقيق الأهداف وليس المشاركة في مجلس الوزراء بلا برنامج عمل، أو التعامل مع مسألة سحب الجنسية كأنها حدث أمني بعيد عن أي تداعيات اقتصادية ذات آثار عميقة ومزعجة.