من صيد الخاطر: قاب قوسين أو أدنى
«قاب قوسين أو أدنى» مثل عربي قديم، وهو يعتبر من أشهر ما عُبِّر به عن أمر كاد أن يحصل أو يقع، وهو مثل مقتبس من كلمات من آية قرآنية من سورة النجم، والتي قال الله تعالى فيها: «وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ، وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ، ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ، وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ، ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ».
فكلمات «فكان قاب قوسين أو أدنى» كانت تعبيراً في غاية البلاغة والوضوح في وصف الخالق، جل وعلا، مقدار اقتراب جبريل عليه السلام من سيدنا محمد عند هبوطه عليه إلى الأرض، حتى كاد أن يلامسه.
والقاب هنا هو ما بين المقبض والسّيَّة، وهي التي تربط طرفي القوس، فلكل قوس قابان وسيَّتان، فكانت المسافة بينهما أدنى من قاب قوسين، وهي مسافة يعرف مدلولاتها ومقدارها العرب، لمعرفتهم بأطوال الأقواس التي يستخدمونها في حروبهم أو صيدهم.
الشاعر قال في ذلك:
تبارى فتبري كلّ حرف كأنما
على سيةٍ من نبع قوس جديرها
وقال آخر:
فما راعَهُ إلاَّ مكانُ توكُّئِي
على سيَةِ القوسِ المغشّاةِ بالأدم
والمغشّاة بالأدم هنا هي المغطاة بعناية بالجلد أو المزينة به.
وللعلم فقد كان جبريل يتواصل مع الرسول صلى عليه وسلم وهو على صورة الرجال، ما عدا هذه المرة، فقد أتاه ودنا منه كثيراً وهو على صورته الحقيقية التي سد فيها أفق السماء، «فَكَانَ منه قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى»، ويمكن أن يقال أيضاً إنه كان منه قاب قوسين، أو قيب قوسين، أو قيد قوسين، أو قادَ قوسين، أو حتى قَدَى قوسين، أي قدر قوسين.
فتعبير «قاب قوسين أو أدنى» دليل على قرب لحظة حاسمة، أو اقتراب أمر مهم لا يحتمل التأجيل، مما يدعو إلى الترقب والانتظار، أو أن النهاية على وشك التحقق، سواء كانت إيجابية كالوصول إلى النجاح، أو سلبية كاقتراب الخطر، حتى أنه استُخدم في الأدب والشعر العربي كأداة تعبيرية قوية توظف للإشارة إلى المعنى المراد منه، فيقال مثلاً:
وقفتُ قاب قوسين من الحلم
أراه يتجلى أمام عيني كالسراب