مظاهر التفاخر والتعالي وازدراء الغير بسبب النسب أو الثروة أو الجنسية أو القبيلة كلها مظاهر مخالفة للشريعة، وكلها تخلت عنها الدول المتقدمة بعد تجارب مريرة وحروب أهلية وانقسامات مرت بها، ولكنها لا تزال موجودة للأسف في بعض الدول العربية والإسلامية.

احتقار بعض الأنساب مازال موجوداً، واستعلاء قبائل على قبائل أخرى ما زال موجوداً، وكذلك التكبر بسبب الثروة أو الجنسية، وهي من العادات التي اعتبرها الإسلام من عادات الجاهلية، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «دعوها فإنها منتنة»، وقال: «كلكم لآدم وآدم من تراب»، وقال: «إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد»، وقال: «من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه»، وكل هذا يدل على أن الأصل في الإسلام هو البراءة والعدل بين الناس.

Ad

للأسف، نسمع اليوم كلمات تخالف هذا الأصل الشرعي، فهناك من يقول «كلونا التجار»، وهناك من يقول «كلونا البدو»، وهناك من يقول «كلونا المتجنسين»، وكلها كلمات خارجة عن الإسلام والمصلحة العامة، وعندما حدثت مشكلة سحب جنسيات المادة الثامنة مارس البعض مثل هذه الشعارات التي تصف أمهات وزوجات الكويتيين بعدم الولاء وبالفساد والاستغلال المصلحي للجنسية، وهذا يعتبر طعناً بجميع الأمهات والزوجات، وليتهم قدموا للسلطات ما يثبت كلامهم ضد كل من استغل الجنسية وخالف القانون، لأن هذا هو الطرح الصحيح في كل هذه الأمور المتعلقة بالتجار والقبائل والمتجنسين والحضر، فلا عبرة إلا بمخالفة الشرع والقانون من جميع هذه المكونات، فلا يجوز تعميم الاتهام على الأبرياء منهم.

وكذلك استطالت بعض الأقوال حتى شملت أبناء الكويتية الأصلية، فقرأنا ألفاظ الرفض والإهانة والاستعلاء، وكلها ألفاظ محرمة شرعاً، وقد صح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: «ابن أخت القوم منهم»، (البخاري)، أي أنه يعتبر واحداً منهم، لا يجوز التكبر عليه أو انتقاصه، وهذا لا يعني وجوب حقه في الجنسية، لأن هذا الحق تحدده قوانين الدولة بناء على مصلحتها العليا، فإذا قرر القانون منح الجنسية لزوجات الكويتيين أو لأبناء الكويتية الأصلية بشروط معينة، أسوة بجميع دول العالم، فلا تجوز الإهانة أو الاستعلاء عليهم، أما إذا قرر القانون أن تحتفظ الزوجة بجنسيتها، وأن يتبع الأبناء جنسية أبيهم فهنا أيضاً لا يجوز الاحتقار أو التعالي عليهم.

وللأسف هناك دعوات مشبوهة للضغط على الحكومة لإلغاء القانون 44 لسنة 1994، وهو الخاص بأبناء المتجنسين الذين ولدوا بعد كسب آبائهم الجنسية الكويتية، فاعتبرهم هذا القانون كويتيين بصفة أصلية، لأنهم ولدوا لأب كويتي ولم يحملوا جنسية أي بلد آخر، وهذا هو الذي نصت عليه المذكرة التفسيرية للدستور، بأنه الحكم الصحيح المعمول به في مختلف دول العالم، ولكن هناك من يشيع أنهم أصبحوا أكثرية، وأنهم لا ينتمون إلى الكويت، وهي ألفاظ تزرع التفرقة والكراهية بين الناس، وإذا كان عند هؤلاء أي أدلة على التزوير أو الازدواجية فليتقدموا بها، ونحن معهم، علماً بأن أكبر حركة تجنيس كانت في الجنسية الأولى، مما دعا التجمع الوطني بقيادة جاسم القطامي إلى الدعوة لمقاطعة انتخابات عام 1971.

ولذلك، فإن للدولة أن ترفض التجنيس أو تضع له ما تشاء من الشروط، وكذلك يجوز السحب إذا تمت مخالفة القوانين، أما التفاخر والتعالي وانتقاص حقوق من حصل على الجنسية بالطرق المشروعة فلا يجوز شرعاً ولا قانوناً.