عام في كنف الهيبة وتطهير الجنسية
«... لولا هروبي من جفاف مدينتي الظمأى، وخوفي أن أموت عرياناً في الأعماق أو في بطن حوت، إني أحاذر أن أموت، لما أفكر أن لي بيتاً ولي فيه عيال... أمسكت مفلقة المحار في الفجر مرتجفاً لتكتمل القلادة، في عنق جارية تنام على وسادة... ويظل صدرك خالياً يا أنت يا عبق الزهور...»...
رائعة د. محمد الفايز شجا بها شادي الخليج، فأسرت وجداننا، واستحوذت إحساسنا، مجسّدةً هول الأجداد ومعاناتهم، بنوا الكويت ففطرت الأرض أقدامهم، وسحلت حبال السفن أيديهم، فمات بعضهم، كالغاصة، مورثين ديونهم لأبنائهم، فخسروا ربما حتى بيوتهم المرهونة، وعانوا ضراء وشظف العيش تحت لهيب الشمس، وآخرون مخروا البحار بأهوالها للتجارة بشقاء ومهارة.
الكويتيون بنوا أسوارها الثلاثة منذ عام 1760، فأضناهم الطين والحجر، وحموا بلادهم بأرواحهم أربعة قرون في سبع عشرة حرباً ومواجهة على حدودهم، بدأت بحربَي الزبارة والرقة 1782 - 1783، وآخرها حرب الخليج 1990، كما دافعوا عن عروبتهم بحربَي 1967 و1973، وأضرحتهم هناك تشهد على تضحياتهم.
تحضّر الكويتيون وطالبوا بالمشاركة في إدارة الدولة، فاستجاب الحاكم، وأُسست المجالس التأسيسية في الثلاثينيات من النخبة، وفي الستينيات أصدروا الدستور، وصدر عام 1959 قانون الجنسية (بالتأسيس) لمن أقاموا في الكويت قبل 1920 و«بصفة أصلية» لأبنائهم وفروعهم، لتكون «الجنسية الكويتية» هي الهوية الوطنية والوعاء الذي يضم عصارة تاريخ الأجداد وإنجازاتهم التي حفرت ومهدت لنا الطريق، ويضم ويحتضن أبناءهم وبناتهم من بعدهم.
بناتهم هن «المرأة الكويتية»، حفيدة تلك التي ظل صدرها خالياً بأبيات د. الفايز، والتي توشحت بدينها وبأخلاقها وبخمارها، فأنجبت الحرائر والفرسان، وعلّمتهم الدين والخلق، فكانت شرفاً لأبيها، وعضيدةً لأخيها، وسنداً لزوجها، شهيدة بالغزو، قاومت الاحتلال، تعلمت فتفوقت، وعملت فأبدعت، وتألقت فوصلت للعالمية، إنها الكويتية ولا فخر، فهل يعقل أن تتساوى بوافدة - مع احترامنا - لمجرّد تجنسها بتزويجها للكويتي؟!
لقد قلناها عام 2019 في ندوة مجموعة الثمانين: لماذا نجنس؟ ويجب إلغاء التجنيس بشكل عام، وأيضاً بمقال في نوفمبر الماضي «لفهد اليوسف: اضرب دام الحديدة حامية»، فلماذا تتساوى تلك التي نبعت من عقر الدار وقعر الأرض وتاريخ الكويت بالزوجة الوافدة بكل هذه البساطة؟! مع احترامنا لزوجات الكويتيين كالآسيويات، السيلانيات والفلبينيات، وكالعربيات والأجنبيات اللواتي قد يصلن إلى مئة ألف، إن سحبت جنسياتهن فسيظللن يتمتعن بمزايا الكويتية والدراسة والعلاج، وستمنح الواحدة منهن الجواز وتعيش حياة كريمة مستقرة دائمة بين أبنائها، أي أن السحب لا يفكك الأسرة!
أما بعض من طُلّقن، أو ضعيفات النفوس ممن طلبن الطلاق، والمحاكم زاخرة، فبعد حصولهن على الجنسية أباح لهن القانون تأسيس الشركات، وبعضهن تجاوز ببيع الإقامات والكفالات، وتمكّنَّ من جلب الأهل والأقارب، وحقّ لهن أخذ القرض السكني، السبعين ألفاً، واستقدام وكفالة أبنائهن السابقين قبل الزواج من الكويتي، كما استطاعت الواحدة منهن استقدام الوافد على إقامتها لتتزوجه، ولها الحق بمعاملة أبنائها السابقين وأبنائها من الوافد معاملة أبناء الكويتية بالعلاج، وبالتعليم المجاني، ومكافأة المئتي دينار شهرياً للجامعيين، ليزاحموا أبناءنا في الدراسة والرواتب والوظائف! كما تستطيع تملّك العقارات وراتبها كالكويتية في الحكومة، ولها راتب من «الشؤون» إذا كانت لا تعمل، وتحصل على دعم العمالة في «الخاص»، وتتمتع كالكويتية بحقها السياسي وتنتخب بمجلس الأمة!
لقد دافع بعض النخبة منّا عن النخبة منهن لفقدهن الجنسية، ولكن علينا أن نتمعن بمرآة عريضة في الجميع والآثار والمآلات على المجتمع والمستقبل، لأنها الكويت يا سادة.
***
نبارك لحضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى الذكرى الأولى لتقلّده مسند الإمارة، فكنا عاماً في كنف الهيبة وتطبيق القانون ووقف برلمان حاد عن الصواب وبدأنا بتطهير الجنسية.
***
إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.