مجزرة سحب الجناسي
على مدى سنوات سابقة، تم تضخيم الكلام عن الأعداد المزعوم أنها نالت الجنسية بالتزوير، ويبدو أن هذا التضخيم كان مقصوداً لأسباب سياسية، لدرجة أن البعض بات يتحدث عن عشرات بل ومئات الآلاف من المزورين، دون أن يقدم دليلاً على زعمه، حتى ترسّخت قناعة لدى قطاع واسع من الناس - بعضهم بحسن نية وبعضهم الآخر بدافع الهوى والانحيازات الفئوية - بأن هذه الأعداد حقيقية.
وبعد تعطيل مجلس الأمة، وتعليق بعض مواد الدستور، وانفراد السلطة التنفيذية بالقرار، فتحت الحكومة ملف الجنسية على مصراعيه، وكان المتوقع منها، بعد هذا الشحن الذي استمر سنوات على هذا الموضوع، أن تكشف عن آلاف المزورين (المزعومين)، إلا أنها بشكل مفاجئ للجميع، وحتى بالنسبة لأكثر الناس تحمساً لهذه المزاعم، اتجهت بشكل أساسي إلى سحب الجنسية ممن اكتسبتها وفقاً لنص المادة 8 من قانون الجنسية، باعتبارها متزوجة من كويتي، أو وفقاً لنص المادة 5 باعتبار أن الدولة منحته هذه الجنسية لأنها قدّرت أنه أدى لها أعمالاً جليلة، ولم يبيّن مجلس الوزراء، ما هي المخالفات القانونية التي ارتكبها هؤلاء حتى يستحقوا سحب جناسيهم وحرمانهم من حقوقهم، بعد أن وثقوا بالدولة ومؤسساتها والتزموا بالقانون، وتنازلوا عن جنسياتهم الأصلية، أي أنهم استأمنوا الدولة على حياتهم ومستقبلهم وحقوقهم.
والواقع أنه من الصعب أن نجد تفسيراً واضحاً ومنطقياً لهذا السلوك، إلا إذا كان الغرض منه هو تضخيم عدد المسحوبة جناسيهم، حتى لو كان هذا التضخيم على حساب أشخاص لم يرتكبوا أي خطأ أو مخالفة يستحقون عليها إجراءً بحجم سحب الجنسية.
ولستُ بحاجة للتأكيد على أنه لا يوجد أحد يدافع عمّن حصل على الجنسية بالتزوير أو بطرق غير مشروعة، أما سحبها ممن أخذها بطريقة مشروعة، وبإرادة الدولة، ووفقاً للقنوات القانونية، وصارت حياته وحقوقه كمواطن، بل وكإنسان، مرتبطة بها، فهذا ما لا يقبله أي منصف.
فإذا كانت القضية أنهم مُنحوا الجنسية بقرار لا بمرسوم (وعلى افتراض صحة رأي المستشارين بهذا الخصوص)، فإن هذا ليس خطأهم إنما هو خطأ السلطة التنفيذية، ومعالجته لا تكون بسحب الجنسية منهم، ولكن بتصحيح أوضاعهم من خلال إصدار مراسيم تثبت وتؤكد مراكزهم القانونية التي سبق لهم اكتسابها.
إن ما تم من إجراءات سحب قد أصاب قطاعاً كبيراً من المواطنين وأسرهم بكوارث، وغرس في نفوسهم شعوراً عميقاً بالظلم والحيف، وهذا الحيف مرشح لأن يصيب المزيد، إذا أصرّت الحكومة على الاستمرار في هذه الإجراءات.
إن القضية هنا ليست مجرد الحرمان من الجنسية وما يترتب عليها من حقوق مستحقة - على أهميتها - ولكن القضية أكبر وأعظم من ذلك بكثير، فهي ترتبط بالشعور بالنبذ والإهانة والحط من الكرامة بحق أشخاص لم يرتكبوا ذنباً أو يقترفوا خطأ، وقدّم الكثير منهم زهرة حياته للكويت، ولم يعُد يعرف غيرها له وطناً، ومثل هذا الشعور ليس من السهل جبره أو محو آثاره مهما طال الزمن.
بل إن المسألة تتجاوز ذلك إلى حد طرح سؤال الثقة بمؤسسات الدولة وإجراءاتها، وواجبها في الحفاظ على المراكز القانونية واستقرارها، فضلاً عن الأبعاد الاجتماعية وتشعّباتها في الداخل، وصدى هذه القضية وردود الفعل عليها لدى المؤسسات الحقوقية الدولية في الخارج.
لقد بات الجميع يدرك اليوم حجم الضرر والخطر، في ظل تقلّص شعور المواطن بالأمان وتراجع الإحساس باليقين القانوني، خصوصاً مع حجب القضاء نفسه عن النظر في مسائل الجنسية، وحرمان مَن سُحبت جناسيهم من اللجوء إليه للمطالبة بإنصافهم واسترداد حقوقهم.
ولعلي لا أتجاوز الحقيقة إذا قلت إننا أمام قضية من أخطر القضايا التي يواجهها المجتمع برمته، وهو ما يستدعي التوقف والتأمل والتبصّر، ومراجعة النفس، وإعادة النظر في كل الإجراءات التي تمت خلال الفترة الماضية، لوقف مجزرة سحب الجناسي، فالرجوع عن الخطأ أولى من التمادي فيه.
ورسالتي الأخيرة لكل معنيّ بهذا الموضوع، حسبنا وحسبكم قوله تعالى: «سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ».