حملت زيارة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط إلى دمشق ولقاؤه قائد الإدارة الجديدة في سورية أحمد الشرع، مضامين وعناوين كثيرة، بعد أن طوى سقوط نظام البعث وفرار بشار الأسد إلى موسكو خمسين عاماً من العلاقات الإشكالية بين لبنان وسورية.
وتكتسب زيارة جنبلاط لدمشق دلالة رمزية، لناحية مسؤولية نظام الأسد المفترضة عن اغتيال والده كمال جنبلاط، ولكونه أحد أبرز معارضي الأسد في مرحلة ما بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 2005، ثم في مرحلة الانتفاضة الشعبية ضد الأسد عام 2011.
ويمكن وصف زيارة جنبلاط للعاصمة السورية بأنها خطوة تأسيسية لمستقبل جديد للعلاقات اللبنانية ـ السورية، خصوصاً في ضوء ما قاله الشرع للوفد اللبناني، إذ قدّم مطالعة سياسية شاملة عقلانية وواقعية تتعلق بالأوضاع في سورية، والعلاقات بين البلدين، والوضعين الإقليمي والدولي.
وحسب مصادر رافقت جنبلاط، بدا الشرع متماسكاً جداً في رؤيته السياسية وطروحاته، من تثبيت الدولة السورية، والحفاظ على خصوصيات كل مكوناتها، ربطاً بالعلاقات العربية والدولية.
وسلّم جنبلاط، الذي ترأس وفداً من المشايخ الدروز ووزراء ونواب ومسؤولي الحزب التقدمي الاشتراكي، سلم للشرع مذكرة شاملة حول العلاقات اللبنانية - السورية، ورؤية لمستقبل أفضل للعلاقات بين بيروت ودمشق.
وحصلت «الجريدة» على أبرز بنود هذه المذكرة والتي تنص على:
1 - أن يكون لبنان وسورية دولتين شقيقتين سيدتين لا تتدخل أي منهما في شؤون الأخرى.
2 - التشديد والحفاظ على وحدة سورية بكل مكوناتها وحسن الجوار مع لبنان.
3 - ترسيم الحدود البرية والبحرية وحل مشكلة مزارع شبعا.
4 - تعزيز العلاقات اللبنانية ــ السورية وتفعيل عمل السفارتين.
5 - إعادة النظر في كل الاتفاقيات السابقة، وإلغاء المجلس الأعلى اللبناني - السوري.
6 - تشكيل لجان تعمل على كشف مصير المفقودين والمعتقلين ولجان للكشف عن السجون.
ووجد الوفد اللبناني لدى الشرع حرصاً على حسن العلاقات وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
وشدد الشرع على بناء سورية جديدة تقطع كل ما كان سائداً في السابق من ممارسات نظام الأسد الذي كان يشكل خطراً على الدول الصديقة والشقيقة، مؤكداً الشروع في وضع دستور جديد لبناء الدولة الجامعة، والحفاظ على الخصوصيات، وضمان شراكة مختلف المكونات السورية في صياغة المستقبل السياسي.
أما شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان سامي أبي المنى، فقال: «إننا نلتزم بما قاله سلطان باشا الأطرش، بأن الدين لله والوطن للجميع»، فوافق الشرع ضاحكاً، وقال: «جدّي كان صديقاً مقرباً جداً لسلطان باشا الأطرش في الثورة ضد الفرنسيين ونُفيا معاً إلى الأردن».
وانطلق الشرع من هذا التذكير لتأكيد ثوابته في رؤية سورية الموحدة والجامعة في الداخل، وذات العلاقات المتوازنة مع مختلف الدول في الخارج، ولا سيما مع لبنان، إذ كرر أكثر من مرة الحرص على سيادته، والتعاون في محاسبة المتورطين في دماء اللبنانيين، بالإضافة إلى تحسين العلاقات مع الدول العربية.
وقبيل لقاء الشرع وجنبلاط كان السفير السعودي المعيّن حديثاً في دمشق قد وصل، والتقى الشرع، وبعد اللقاء مع جنبلاط وصل وزير خارجية تركيا هاكان فيدان.
خامنئي يتبرأ من حلفائه: ليس لدينا وكلاء في المنطقة
بعد تلقي حلفاء طهران الإقليميين سلسلة ضربات قاسية خلال الأشهر الماضية، بما في ذلك السقوط الدراماتيكي لنظام بشار الأسد في سورية، بدا أن المرشد الإيراني علي خامنئي يتبرأ من حلفاء طهران، وشركائها في «محور المقاومة».
وذكر خامنئي، في كلمة خلال استقبال شعبي في العاصمة: «يقولون إنّ جمهورية إيران الإسلامية فقدت قواتها بالوكالة في المنطقة. ليس لدى الجمهورية قوات بالوكالة»، مضيفاً أن «اليمن يقاتل لأنه ذو إيمان، وحزب الله في لبنان وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين يقاتلون لأنّ عقيدتهم تدفعهم إلى ذلك. وإذا أردنا يوماً ما اتخاذ إجراء ضد العدو، فلن نحتاج إلى قوات بالوكالة».
وكان لافتاً تجاهل خامنئي للفصائل المحسوبة على طهران في العراق، حيث لم يذكرها في كلمته.
ولطالما تفاخر مسؤولون إيرانيون بسيطرة بلادهم على أربعة عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، في وقت قال أحمد الشرع، قائد الإدارة السياسية والعسكرية في سورية، والتي تتولى الحكم بعد سقوط الأسد، إن ما جرى في سورية أرجع مشروع إيران 40 عاماً إلى الوراء.
وفي تفاصيل الخبر:
قصدت عدة وفود إقليمية العاصمة السورية، اليوم، للقاء قائد الإدارة الجديدة زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع الملقب بالجولاني، وكان في مقدمتها وفد لبناني درزي برئاسة زعيم الطائفة النائب وليد جنبلاط، إضافة إلى وفد دبلوماسي سعودي، وآخر تركي.
وقال الجولاني، الذي ظهر بربطة عنق للمرة الأولى، خلال استقباله الوفد الدرزي في دمشق اليوم، إن «نظام البعث السوري المخلوع والرئيس السابق بشار الأسد هم من قتلوا رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، والرئيس اللبناني الأسبق بشير الجميل، والزعيم الدرزي كمال جنبلاط»، متعهداً باحترام سيادة لبنان ووحدة أراضيه.
وأضاف أن «تدخل النظام السوري في الشأن اللبناني كان سلبياً على مدى العقود الماضية». ورأى الجولاني الذي قادت جماعته زحف الفصائل المسلحة الخاطف على دمشق للإطاحة بالأسد: «معركتنا أنقذت المنطقة من حرب إقليمية كبيرة وربما حرب عالمية، وسورية الآن تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف في لبنان، ولن تكون حالة تدخل سلبي كما كان في السابق». واعتبر أن «سورية كانت مصدر قلق وإزعاج وكان تدخلها في الشأن اللبناني سلبياً».
وشدد الشرع على أن «المجتمع الدولي عجز عن حل المشكلة السورية خلال 14 عاماً ونحن أخذنا طريقاً مختلفاً ليقيننا بأن الشعوب لا تستطيع أن تأخذ حقّها إلا بيدها».
ولفت إلى أن «عقلية بناء الدولة يجب أن تبتعد عن الطائفية والثأر»، معتبراً أن «لبنان بحاجة إلى اقتصاد قويّ وإلى استقرار سياسيّ وسورية ستكون سنداً له وأرجو أنّ تُمحى الذاكرة السوريّة السابقة من أذهان اللبنانيين».
وأشار إلى أن «المكون الشيعي جزء من البيئة اللبنانية، وهناك صفحة جديدة مع كل مكونات لبنان بغض النظر عن المواقف السابقة».
تطمين الدروز
وفي وقت تهدف زيارة الوفد اللبناني الذي ترأسه الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، وشيخ العقل، سامي أبو المنى، إلى طمأنة الطائفة الدرزية التي تشكل أقلية بكل من سورية ولبنان، حيا جنبلاط، «الشعب السوري في انتصاراته الكبرى من أجل التخلص من القهر والاستبداد».
وقال إن «الطريق طويل ونعاني نحن وإياكم من التوسع الإسرائيلي وسأتقدم بمذكرة باسم اللقاء الديموقراطي حول العلاقات اللبنانية - السورية».
ورأى جنبلاط أن «الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري تشبه الجرائم بغزة والبوسنة والهرسك وهي جرائم ضد الإنسانية».
وتوجد علاقات وثيقة بين دروز لبنان الذين يقدر عددهم بـ 250 ألفاً والأقلية الدرزية في سورية التي يقدر عددها بحوالي نصف مليون.
ويعيش معظم الدروز في جنوب سورية، وتحديداً في مدينة السويداء ومحافظة القنيطرة التي تضم هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل.
تحركات عربية
وغداة زيارات استشكافية لمبعوثين غربيين شددوا على ضرورة التزام الإدارة السورية الجديدة بتطبيق بنود بيان «مؤتمر العقبة»، الذي عقدته دول لجنة الاتصال العربية المعنية بملف سورية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا، أفادت «سكاي نيوز» بأن الشرع التقى وفداً دبلوماسياً سعودياً في دمشق اليوم.
وجاء ذلك في وقت دعا رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني ووزير خارجية سلطنة عُمان بدر بن حمد البوسعيدي، إلى ضرورة تنسيق المواقف بين الدول العربية من أجل ترسيخ الاستقرار في سورية، فيما صرح مصدر مسؤول بوزارة الخارجية بالحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بأنها تجري اتصالات مع إدارة دمشق لاستعادة مقر سفارة صنعاء «الذي امتنعت جماعة الحوثي عن تسليمه».
تهديدات تركية
من جانب آخر، وصل وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى دمشق في زيارة هي الثانية له منذ سيطرة الفصائل عليها.
وقبل وصوله بساعات إلى قصر الشعب للقاء الجولاني ورئيس الحكومة المؤقتة محمد البشير، شدد فيدان على أن أنقرة ستفعل «كل ما يلزم» لضمان أمنها إذا لم تتمكن الإدارة السورية الجديدة من معالجة مخاوفها بشأن الجماعات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة، مضيفاً أنه يتعين حل «وحدات حماية الشعب» الكردي، التي تقول أنقرة إنها تمثل العمود الفقري لقوات سورية الديموقراطية «قسد» التي تعتمد عليها القوات الأميركية بمحاربة «داعش». ولوح فيدان باللجوء إلى العمل العسكري ضد التنظيمات الكردية المسلحة بشمال سورية.
ورداً على سؤال حول تصريحات قائد «قسد» مظلوم عبدي حول إمكانية التوصل إلى حل تفاوضي مع أنقرة، قال فيدان، إن المجموعة يجب أن تسعى إلى مثل هذه التسوية مع دمشق، لأن هناك «واقعاً جديداً».
وأشار إلى أن تركيا لا تؤيد بقاء أي قواعد أجنبية، بما في ذلك القواعد الروسية، في سورية، لكن الاختيار يعود للشعب السوري.
لقاء «الشرعين»
وفي وقت يترقب فيه العالم الخطوات الأولى لترميم مؤسسات الدولة في سورية، أعلنت «القيادة العامة» أن الشرع، اجتمع مع قادة فصائل المعارضة التي شاركت في عملية «ردع العدوان» التي أدت إلى إسقاط نظام بشار الأسد، وأن الاجتماع نوقش فيه شكل المؤسسة العسكرية الجديدة.
من جانب آخر، التقى الجولاني، نائب الرئيس السابق فاروق الشرع الذي أبعِد عن المشهد السياسي في الأعوام الأخيرة من حكم الرئيس المخلوع، ودعاه لحضور مؤتمر حوار وطني.
وقال مروان الشرع، وهو ابن عم فاروق: «منذ الأيام الأولى لدخول أحمد الشرع إلى دمشق، زار فاروق الشرع في مكان إقامته في إحدى ضواحي دمشق، ووجّه له دعوة لحضور مؤتمر وطني» من المقرر أن يعقد مطلع يناير المقبل.
وأوضح أن فاروق الشرع البالغ حالياً 86 عاماً، كان «قيد الإقامة الجبرية، وسُجِن سائقه ومرافقه الشخصي بتهمة تسهيل محاولة انشقاقه (عن حكم الأسد) ولم يسمح له طوال الفترة الماضية بمغادرة دمشق».
وتابع «ابن عمي بصحة جيدة ويتحضّر حالياً لإصدار كتاب عن كامل مرحلة حكم بشار منذ عام 2000 وحتى الآن».
وأتى ذلك في وقت دعا نشطاء سوريون الجولاني إلى إطلاق سراح المعتقلين في إدلب، مركز سيطرة هيئة تحرير الشام قبل سقوط النظام، فيما عرضت قبرص مساعدة سورية في التخلص من الأسلحة الكيميائية التي خلفتها حكومة الأسد.
«مجموعة شرفاء»
في غضون ذلك، توقع المرشد الإيراني علي خامنئي أن تؤدي الأحداث في سورية إلى «ظهور مجموعة من الشرفاء الأقوياء تتصدى لأميركا وإسرائيل»، محدثاً عن غياب الأمن في سورية بعد سقوط نظام الأسد. واتهم خامنئي «أميركا والكيان الصهيوني ومن يقف معهما» بأنهم «أحدثوا فوضى في سورية ويتوهمون أنهم حققوا انتصاراً هناك وأن مستقبل المنطقة سيكون أفضل من واقعها الحالي».
وفي لقاء شعبي، نفى خامنئي أن تكون ايران قد «فقدت وكلاءها في المنطقة»، مشدداً على أنه ليس لايران وكلاء.
من جهة ثانية، توغلت قوات الجيش الإسرائيلي في مدينة «البعث» في محافظة القنيطرة جنوبي سورية بعدما قامت بإزالة السواتر الترابية، اليوم.
وطالبت سلطات الاحتلال سكان المدينة بتسليم أسلحتهم لمراكز التسوية التي افتتحتها السلطات السورية الجديدة.
وأكد الشرع أن سورية لن تشهد بعد الآن استبعاد أي طائفة، مضيفا أن عهدا جديدا «بعيدا عن الحالة الطائفية» بدأ.
وقال خلال اللقاء مع جنبلاط، في تعليقات بثتها قناة الجديد اللبنانية، «مع اعتزازنا بثقافتنا وبديننا وإسلامنا... ولا يعني وجود الإسلام إلغاء الطوائف الأخرى، بل على العكس هذا واجب علينا حمايتهم»، وتابع: «اليوم يا اخواننا نحن نقوم بواجب الدولة في حماية كل مكونات المجتمع السوري».
ولفت إلى أن الإدارة الجديدة أرسلت وفودا حكومية إلى مدينة السويداء ذات الأغلبية الدرزية في جنوب غرب البلاد، مضيفا: «أهلنا في السويداء كانوا سباقين في مشاركة أهلهم بالثورة، وساعدونا في تحرير منطقتهم في الآونة الأخيرة»، وأردف: «سنقدم خدمات كثيرة، نراعي خصوصيتها، ونراعي مكانتها في سورية»، وتعهد بتسليط الضوء على ما وصفه بأنه تنوع غني للطوائف في سورية.
وأضاف خامنئي: «ليس لدى الشباب السوري ما يخسره جامعته، مدرسته، منزله، وحياته كلها غير آمنة، فماذا يفعل؟ يجب عليه أن يقف بإرادة قوية أمام أولئك الذين خططوا لهذه الحالة من انعدام الأمن».