وسط إشارات متباينة في النمو والسياسات الاقتصادية، شهدت الأسواق العالمية خلال الأسبوع المنتهي، أمس الأحد، تطورات مهمة، في وقت شكلت البيانات الاقتصادية الأساس الرئيسي للتوقعات المستقبلية. ففي الولايات المتحدة، سجل التضخم زيادة هامشية، وارتفع مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي بنسبة 0.1% على أساس شهري وبنسبة 2.8% على أساس سنوي في نوفمبر، مما أبقى توقعات التضخم مستقرة، وفي ذات الوقت، ارتفع الإنفاق الشخصي بنسبة 0.4%، بينما نما الدخل المتاح بنسبة 0.3%.

وحسب تقرير أسواق النقد الأسبوعي الصادر عن بنك الكويت الوطني، أظهر الدولار الأميركي قوة نسبية، إذ وصل مؤشره إلى نحو 108.54 بدعم من قرار المجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي «البنك المركزي» بخفض الفائدة ومن النمو الاقتصادي القوي وسط ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.1%.

Ad

كما ارتفعت عائدات سندات الخزانة، إذ تجاوز عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات 4.5%.

وعلى صعيد الأسهم، شهدت الأسواق تزايد العمليات البيعية، إذ تراجع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 3.0%، وانخفض مؤشر ناسداك بنسبة 3.6%. وفي أوروبا، أعلن البنك المركزي الأوروبي خفض أسعار الفائدة بنسبة 0.25%، مما أدى إلى تراجع مخاوف التضخم، في وقت هبط اليورو إلى أدنى مستوياته المسجلة ليصل إلى 1.034 دولار.

أما في المملكة المتحدة، فقد قرر بنك إنكلترا الإبقاء على سعر الفائدة عند 4.75% وسط استقرار التضخم عند 2.6% على أساس سنوي.

من جهة أخرى، انخفضت قيمة الين الياباني إلى 157.9 مقابل الدولار الأميركي بعد النبرة التيسيرية التي تبناها البنك المركزي.

وشهدت السلع تحركات متباينة، إذ وصل الذهب إلى نحو 2600 دولار للأونصة، بينما تراجع سعر مزيج خام برنت إلى 72 دولاراً للبرميل بسبب مخاوف الطلب. وتواصل الأسواق العالمية التفاعل مع تغيرات السياسة النقدية للبنوك المركزية، ما يعكس تفاؤلاً حذراً في مواجهة التحديات الاقتصادية المستمرة.

تباطؤ وتيرة التيسير في 2025

قام الاحتياطي الفدرالي بخفض أسعار الفائدة القياسية بمقدار 25 نقطة أساس، ليصل إلى نطاق 4.25-4.5%، مسجلاً الخفض الثالث على التوالي في دورته الحالية.

لكن أعضاء اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة أشاروا إلى تباطؤ وتيرة التيسير النقدي العام المقبل، إذ يتوقع صانعو السياسة خفض سعر الفائدة مرتين بمقدار ربع نقطة في العام 2025، بدلاً من ثلاث مرات التي توقعها بعض الاقتصاديين في السابق.

كما تم رفع تقديرات التضخم، ما يعكس زيادة المخاوف بشأن استقرار الأسعار، بينما ارتفع تقدير سعر الفائدة المحايد لمسؤولي الاحتياطي الفدرالي إلى 3%. وأوضح رئيس «الفدرالي» جيروم باول، أن موقف السياسة أصبح الآن «أقل تقييداً بشكل ملحوظ»، مما يتيح إجراء تعديلات حذرة وسط استمرار استقرار التضخم ومخاطر سوق العمل التي بدأت في التراجع.

نمو الاقتصاد الأميركي

نما الاقتصاد الأميركي بمعدل سنوي قدره 3.1% في الربع الثالث من العام 2024، متجاوزاً التقدير الثاني البالغ 2.8% وأعلى من النمو المسجل في الربع الثاني من العام الذي بلغ 3%، مسجلاً بذلك أقوى معدل توسع اقتصادي هذا العام. وارتفع الإنفاق الشخصي بنسبة 3.7%، في أسرع وتيرة يتم تسجيلها منذ الربع الأول من العام 2023، مدفوعاً بزيادة استهلاك السلع بنسبة 5.6% والإنفاق القوي على الخدمات (بنسبة 2.8%).

كما نما الاستثمار الثابت بنسبة 2.1%، مع ارتفاع الاستثمار في المعدات بنسبة 10.8%، بينما انخفضت الاستثمارات المهيكلة (بنسبة -5%) والاستثمار السكني (بنسبة -4.3%).

من جهة أخرى، ارتفع الإنفاق الحكومي بنسبة 5.1%، وساهم صافي التجارة بمعدل أقل سلباً، إذ ارتفعت الصادرات والواردات بنسبة 9.6% و10.7%، على التوالي.

القطاع الخاص الأميركي

ارتفع مؤشر مديري المشتريات المركب لمؤشر «ستاندرد أند بورز غلوبال» إلى 56.6 في ديسمبر 2024، مقابل 54.9 في نوفمبر، مسجلاً أقوى معدل نمو للقطاع الخاص منذ مارس 2022.

وشهد قطاع الخدمات زيادة ملحوظة، إذ وصلت قراءة المؤشر إلى 58.5 (أعلى مستوى منذ أكتوبر 2021)، بينما تراجع قطاع التصنيع إلى 48.3 (أدنى المستويات المسجلة في ثلاثة أشهر).

وتعزى هذه الزيادة إلى تحسن الطلب، إذ سجلت الطلبات الجديدة أسرع وتيرة نمو منذ أبريل 2022، وسط نمو التوظيف لأول مرة منذ خمسة أشهر.

وتراجعت الضغوط التضخمية بشكل عام، على الرغم من ارتفاع تكاليف مدخلات التصنيع.

ووصل تفاؤل الأعمال إلى أعلى مستوياته المسجلة في عامين ونصف، مدفوعاً بالتوقعات الإيجابية في ظل الإدارة القادمة للرئيس ترامب.

مبيعات التجزئة تتخطى التوقعات

ارتفعت مبيعات التجزئة الأميركية بنسبة 0.7% على أساس شهري، متجاوزة التوقعات التي كانت تشير إلى 0.6%. كما تم تعديل قراءة أكتوبر ورفعها إلى 0.5%.

لكن المبيعات الأساسية، التي تستثني السيارات والغاز، نمت بنسبة 0.2% فقط، بما يتسق مع قراءة أكتوبر، لكنها كانت أقل من التوقعات.

من جهة أخرى، انخفض الإنتاج الصناعي بنسبة 0.1%، مسجلاً ثالث انخفاض على التوالي، لكنه كان أفضل من معدل الانخفاض المسجل في الشهر السابق الذي بلغ 0.4%.

وشهد قطاع التصنيع انتعاشاً متواضعاً، إذ ارتفع بنسبة 0.2% بعد انكماشه بنسبة 0.7% في أكتوبر.

الإنفاق الاستهلاكي

ارتفعت نفقات الاستهلاك الشخصي بنسبة 0.4% في نوفمبر 2024 بدعم من نمو الإنفاق على السلع بنسبة 0.7%، على خلفية زيادة الطلب القوي على السيارات والمنتجات الترفيهية.

ونما الإنفاق على الخدمات بشكل متواضع بنسبة 0.1%، مع مساهمة خدمات الرعاية الصحية والترفيه في تعزيز هذه المكاسب.

وارتفع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي بنسبة 0.1% على أساس شهري، ليحافظ على معدل سنوي ثابت قدره 2.4%. كما ارتفع مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي، الذي يستثني تكاليف الغذاء والطاقة، بنسبة 0.1% على أساس شهري و2.8% على أساس سنوي.

من جهة أخرى، ارتفع كل من الدخل الشخصي والدخل المتاح بنسبة 0.3%، مما يعكس مرونة نشاط المستهلك في ظل الضغوط التضخمية المستقرة.

وأنهى مؤشر الدولار الأميركي تداولات الأسبوع مغلقاً عند مستوى 107.62.

مسار واضح

أكدت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد في خطاب ألقته في فيلنيوس، التزام البنك بمواصلة خفض أسعار الفائدة، بشرط استمرار توافق البيانات الاقتصادية مع التوقعات.

وأشارت لاغارد إلى أن التضخم، الذي بلغ 2.3% في نوفمبر، يقترب بشكل مطرد من المستوى المستهدف للبنك المركزي الأوروبي البالغ 2%.

وشملت السياسة النقدية الأخيرة للبنك إجراء أربعة تخفيضات لأسعار الفائدة هذا العام، ليصل سعر الفائدة على الودائع إلى 3% وجاء هذا التحول الواضح في نبرة البنك، من خلال إزالة عبارة «مقيدة بما فيه الكفاية»، كإشارة إلى توجه أكثر تيسيراً.

ويهدف البنك المركزي الأوروبي إلى خفض أسعار الفائدة تدريجياً إلى مستوى محايد يتراوح بين 1.75% و2.5%، لدعم اقتصاد منطقة اليورو، والتعامل مع التحديات الهيكلية، وضمان استقرار الأسعار.

وأنهى اليورو تداولات الأسبوع أمام الدولار الأميركي عند مستوى 1.0429.

المملكة المتحدة

أبقى بنك إنكلترا سعر الفائدة الرئيسي عند 4.75% خلال اجتماعه في ديسمبر 2024، بما يتسق مع توقعات السوق، وسط استمرار التضخم المرتفع ونمو الأجور، مما يعزز مخاوف استمرار الضغوط التضخمية.

وعلى الرغم من ذلك، أيد ثلاثة من أعضاء لجنة السياسة النقدية خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى 4.5%، مشيرين إلى ضعف الطلب وتراجع مؤشرات سوق العمل كأسباب رئيسية.

وأكد البنك المركزي التزامه بنهج حذر في تيسير السياسة النقدية، متمسكاً بموقف تقييدي لضمان مواءمة مخاطر التضخم مع المستوى المستهدف البالغ 2%.

كما أكد أن القرارات المستقبلية ستتخذ بناءً على مستجدات كل اجتماع على حدة.

وأنهى الجنيه الإسترليني تداولات الأسبوع أمام الدولار الأميركي عند مستوى 1.2569.

بنك اليابان

أعلن بنك اليابان، في قرار صدر بأغلبية الأصوات (8-1)، الإبقاء على سعر الفائدة غير المضمون لليلة واحدة عند نحو 0.25%، في ظل استمرار انتعاش الاقتصاد بوتيرة معتدلة.

وأشار البنك إلى تحسن الاستهلاك الخاص والاستثمار التجاري بصورة ملحوظة، بينما سجل التضخم ارتفاعاً مطرداً، إذ استقر مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي (باستثناء تكاليف الأغذية الطازجة) بين 2.0% و2.5%. وتوقع البنك أن يتسق التضخم تدريجياً مع مستوى 2% المستهدف بدعم من تسارع وتيرة نمو الأجور وزيادة الإنفاق ضمن ما وصفه باسم «دورة حميدة».

إلا أن البنك حذر من المخاطر الناجمة عن حالة عدم اليقين التي تسود الاقتصاد العالمي وتقلب أسعار السلع الأولية.

وأكد بنك اليابان، عقب مراجعة شاملة للسياسة النقدية، التزامه بتوفير استقرار مستدام للأسعار مع الحفاظ على ظروف مالية تيسيريه لدعم الاقتصاد.

وأنهى الدولار الأميركي تداولات الأسبوع أمام الين الياباني عند مستوى 156.41.

الصين

أبقت الصين على أسعار الفائدة الرئيسية للقروض لمدة عام واحد عند 3.1% وسعر الفائدة الأساسي للقروض لمدة خمس سنوات، المعيار الرئيسي لتسعير الرهون العقارية، عند 3.6% في ديسمبر 2024.

وعلى الرغم من استقرار المعدلات خلال هذا الشهر، فإن العام الحالي شهد تخفيضات مجمعة بلغت 35 نقطة أساس لسعر الفائدة لمدة عام واحد و60 نقطة أساس لمدة خمس سنوات.

ويرى المحللون أن هذه التخفيضات ساهمت في تخفيف الأعباء المالية على الشركات والأسر، مما يدعم الاستثمار ويعزز القوة الشرائية، ويشكل دفعة قوية لتعزيز الانتعاش الاقتصادي للبلاد.

وأنهى الدولار الأميركي تداولات الأسبوع أمام اليوان الصيني عند مستوى 7.2961.