طالعتنا جريدة «الجريدة» في عددها الصادر بتاريخ 25/ 11/ 2024 بخبر مقلق عن ارتفاع تكلفة إنتاج برميل النفط الكويتي إلى 13.7 دولاراً، وهي تكلفة مرشحة للزيادة مستقبلاً نتيجة عوامل متعددة، أبرزها تقادم المكامن النفطية، مما يجعل عملية استخراج النفط أكثر تعقيداً وأعلى تكلفة.
وإلى جانب ذلك، تبرز التكاليف الرأسمالية المرتفعة الناتجة عن الاعتماد الكبير على الشركات الأجنبية لتنفيذ المشاريع الكبرى في القطاع النفطي.
وفي سياق متصل، تؤدي زيادة الاعتماد على المقاولين في عمليات التشغيل والصيانة، بدلاً من تعزيز القدرات الوطنية، إلى تفاقم هذه التكاليف بشكل مستمر، مما يضع القطاع النفطي الكويتي أمام تحديات غير مسبوقة.
في الوقت ذاته، تواجه الكويت مشكلة أخرى تتمثل في انخفاض حصتها الإنتاجية داخل منظمة أوبك، حيث تراجعت إلى حوالي 2.415 مليون برميل يومياً، بعد أن كانت 3.3 ملايين برميل يومياً في عام 2016.
هذا التراجع، مع الاعتماد شبه الكامل للدولة على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات بنسبة تصل إلى 90 في المئة من الميزانية العامة، يعكس خللاً هيكلياً عميقاً في الاقتصاد الوطني.
ومع كل زيادة في تكلفة الإنتاج وتراجع الحصة الإنتاجية، تتصاعد الضغوط على الميزانية العامة، مما يؤدي إلى تفاقم العجز المالي بشكل مستمر وإضعاف قدرة الدولة على تلبية احتياجاتها التنموية والمستقبلية.
ولم تتوقف التحديات الاقتصادية عند هذا الحد، بل تفاقمت مع مشكلة التوظيف الحكومي.
فسياسة «صفر بطالة»، التي تهدف إلى القضاء على البطالة بين المواطنين، أدت إلى تضخم الجهاز الحكومي إلى مستويات غير مسبوقة.
اليوم، يعمل حوالي 85 في المئة من الكويتيين في القطاع الحكومي، وهو رقم يعكس اعتماداً مفرطاً وغير مستدام على الوظائف الحكومية كحل قصير الأجل.
ومع أن هذه السياسة انطلقت بنوايا إيجابية، إلا أنها لم تقدم حلاً فعلياً لمشكلة البطالة.
بل على العكس، أفرزت ظاهرة التوظيف الوهمي، حيث تشغل الحكومة أعداداً كبيرة من المواطنين دون إنتاجية حقيقية. وكنتيجة مباشرة، زادت الأعباء على الميزانية العامة، مما عرقل إمكانية تحقيق أي نمو اقتصادي حقيقي.
إن انعكاسات هذه التحديات تبدو واضحة وخطيرة.
فارتفاع تكلفة إنتاج النفط، بالتزامن مع انخفاض الحصة الإنتاجية وزيادة الأعباء المالية الناتجة عن التوظيف الحكومي غير الفعَّال، يضع الكويت أمام خيارات صعبة ومؤلمة.
وتشمل هذه الخيارات تقليص الإنفاق الحكومي، أو فرض ضرائب جديدة، أو الاستدانة والسحب من الاحتياطيات المالية، وكلها تحمل معها آثاراً سلبية بعيدة المدى.
وفي نهاية المطاف، سيتحمَّل المواطن الكويتي العبء الأكبر لهذه الأزمة، سواء من خلال ارتفاع تكاليف المعيشة، أو تراجع مستوى الخدمات العامة، أو حتى فقدان الاستقرار المالي الذي اعتادت عليه البلاد.
هذه التحديات المُلحَّة تفرض ضرورة إعادة النظر في النهج الاقتصادي والسياسات التنموية.
إن استمرار الكويت في الاعتماد على النفط كركيزة وحيدة للدخل الوطني لم يعد خياراً مستداماً.
لذلك، يجب العمل على تنويع مصادر الدخل، من خلال تطوير قطاعات أخرى، مثل: الصناعة، والتكنولوجيا، والاقتصاد المعرفي، إضافة إلى تعزيز دور القطاع الخاص ليكون محركاً رئيسياً للتوظيف والنمو الاقتصادي.
وفي الوقت ذاته، أصبح إصلاح القطاع الحكومي حاجة مُلحَّة لا تقبل التأجيل.
فمن الضروري التخلص من ظاهرة التوظيف الوهمي، وتحسين كفاءة الجهاز الحكومي، وتشجيع الكويتيين على العمل في القطاع الخاص عبر حوافز وآليات تشجع المشاركة الفاعلة في الاقتصاد.
على القطاع النفطي نفسه أن يشهد تحولاً جذرياً نحو الابتكار والكفاءة.
فمن خلال الاستثمار في التقنيات الحديثة وتطوير الكوادر الوطنية، يمكن تخفيض التكاليف وتحسين الإنتاجية بشكل كبير.
كما أن تعزيز الشفافية في العقود الموقعة مع الشركات الأجنبية والمقاولين قد يساهم في تقليص النفقات الرأسمالية الباهظة التي تستهلك جزءاً كبيراً من الإيرادات.
لا شك في أن الوقت للعمل بدأ ينفد.
الكويت أمام فرصة حقيقية اليوم لاتخاذ خطوات إصلاحية جريئة تعيد ترتيب الأولويات الاقتصادية، وتؤسس لاقتصاد أكثر استدامة وكفاءة. كل تأخير في مواجهة هذه التحديات سيؤدي إلى أعباء أكبر في المستقبل.
وعلى الجميع أن يدرك أن اتخاذ القرارات الصعبة الآن هو السبيل الوحيد لضمان حياة أفضل وأكثر استقراراً للأجيال القادمة.