تحدثت الشاعرة الشيخة أفراح المبارك الصباح، في جلسة نقاشية أمس، حول تجربتها الشعرية والحركة الأدبية والشعرية في الكويت، وذلك ضمن فعاليات «ديوان الخليج»، حيث هو نافذة مشرقة تعكس ثقافة الخليج وابتكاراته وروح الوحدة الإقليمية، والذي يقام في قلب الكويت بالتزامن مع بطولة كأس الخليج الـ 26، ليكون منصة ملهمة تجمع الأكاديميين، والدبلوماسيين، وقادة الأعمال، والمبتكرين والشخصيات العامة من دول الخليج والعالم.

وحاور الشيخة أفراح، الأديب والشاعر علي المسعودي، الذي أكد سعادته بإدارة الحوار وديوان الخليج الذي لا يُعدّ مجرد فعالية، بل هو احتفاء نابض بالتعاون والتنوع الخليجي، حيث يُحيي التراث، ويضيء شُعلة الابتكار، ويؤسس شراكات تصنع أثراً دائماً، وذلك برعاية ودعم وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبدالرحمن المطيري.

Ad

في بداية حديثها، أعربت الشيخة أفراح عن سعادتها بهذه الفعالية الفكرية المتعددة الأنشطة، متوجهة بالشكر لجميع الجهات القائمة على فعاليات ديوان الخليج ومحاورها علي المسعودي، كما أعربت عن فخرها بحفل افتتاح كأس الخليج أمس الأول، والتنظيم الرائع الذي يؤكد ريادة ونهضة الكويت في ظل عهد الأب والقائد الحكيم الشيخ مشعل الأحمد، مؤكدة أن الكويت في اتجاهها نحو النهوض مجددا كما كانت، وذلك بفضل سياسات سموه الحكيمة ومجهوداته البارزة على الصعد كافة.

بزوغ الموهبة

وفي مستهل الجلسة سأل المسعودي الشيخة أفراح عن بداياتها وكيف دخلت مجال الشعر، وكيف ساهمت نشأتها في بيئة أدبية على بزوغ موهبتها.

فأجابت: «بدأت منذ الصغر في كتابة مذكراتي ويومياتي وتسجيل الأحاسيس والمواقف التي أمرّ بها، وكنت عادة ما أعود إلى تلك المذكرات في لحظات مختلفة، أو حين أشعر بالحزن أو الفقد وأبحث عن شيء يؤنسني، ومع الوقت تحولت تلك الكتابات إلى قصائد، وكان للشاعر علي السبتي فضل كبير في مسيرتي الأدبية، نتيجة تشجيعه ودعمه المستمر لي، وأيضا الشاعرة الصديقة سعدية مفرّح التي واكبت تلك المسيرة».

وأضافت: «وعن نشأتي في بيئة أدبية، فقد كانت لها دور كبير في تحفيز موهبتي من الصغر، فوالدي الشيخ مبارك العبدالله الجابر كانت مكتبته زاخرة بالمجلات القديمة، مثل مجلة العربي واللطائف المصورة وتاج العروس، وغيرها الكثير، وجدي الشيخ عبدالله الجابر كان يدفعني دائما ويعطيني الشعور بالثقة والمسؤولية، ويدفعني للقراءة وممارسة هوايتي، ولذلك فقد وفّرا لي بيئة حاضنة ومشجعة وداعمة لي».

وسألها المسعودي: «بالرغم من البدايات المبكرة فإن دخول المجال الأدبي كان متأخرا، حيث صدر أول ديوان في 2009، لماذا؟».

وأجابت الشيخة أفراح: «انشغلت بأسرتي ورعاية أبنائي، وكانت مهمة جميلة وتحتاج إلى الوقت والتفرغ لأنهم نجوم دنيتي، فأعطيتهم كل وقتي، ورغم أن إنتاجي الأدبي لم يعاصر تلك المرحلة لكني كنت متابعة للحركة الأدبية، فكنت أستثمر وقتي وأواكب المشهد الثقافي وأحضر المحاضرات وأقرأ الكثير من الكتب وأراقب بشغف الحركة الشعرية والثقافية في الكويت، حتى جاءت اللحظة المناسبة بعد أن اشتد عود أبنائي وأصبحت قادرة على الالتفات إلى مشروعي الأدبي بتفرغ وتركيز، وأنا الآن سعيدة بأن مشروعي أخذ وقته الكافي وخرج للنور في وقته المناسب».

التفرغ الأدبي

وسأل المسعودي: هل يحتاج الإنتاج الأدبي إلى تفرغ؟.

وأجابت: «أحيانا يحتاج الأدب إلى تفرغ ومزاج حتى لا يشغلك شيء عن التفكير فيه، وأحيانا يكون الفكر مشغولا ومزدحما فتظهر بوارق النجوم والنصوص، فالشعر واحد من الحالات الإنسانية الذي لا يخضع لقاعدة، فهناك من يحتاجون للهدوء لكي يبدعوا، وهناك من يبدعون أعظم إنتاجاتهم في أحلك وأصعب الظروف، وربما يتوفر الهدوء والتركيز ولا يستطيع المبدع أن ينتج شيئا، هي حالة من العطاء تختلف من شخص لآخر ومن لحظة إلى أخرى».

وِسأل المسعودي: «تقولين إذا كان الديوان نهاية الشعر، فإن السؤال بدايته، وأنك تسمعين السؤال وفي ذهنك ألف سؤال ماذا تقصدين بذلك، ولماذا دائما تشغلك الأسئلة؟».

وأجابت الشيخة أفراح: «الأسئلة تشغلني لأنها كالحطب الذي يشعل النار، ولولا هذا الاشتعال لم نكن لنحصل على الدفء، فالسؤال والشك والحيرة هو ما يشغل فكري، وهذا السؤال اللعين الذي لا ينتهي هو وقود أفكاري، وإن كانت في أغلبها أسئلة داخلية صامتة لا أطرحها على أحد، فليس بالضرورة أن أفصح عنها، لأن السؤال بالنسبة لي هو البارقة والمشعل الذي يقود المفكرين والشعراء والعلماء إلى التفكير».

المثقف والمتلقي

وقال المسعودي: «المثقف يحتاج إلى أن يكون جمهوره مستمعا جيدا، فكيف يمكن إزالة الحاجز بين المثقف والجمهور؟».

وأوضحت الشيخة أفراح: «هناك مسؤولية مشتركة تقع على عاتق المثقف والمتلقي معا، ولكن المتلقي أحيانا ما يتعرض للظلم في هذه المعضلة، لأنه تغير بتغير الزمن والعصر الذي نعيش فيه، فيما لا يزال المثقف في مرحلة أخرى لا يواكبان بعضهما البعض، فضلا عن أن المتلقي أصبح لا يخضع فقط لثقافة المنزل والمدرسة والإعلام، ولكن هناك ثقافة ثالثة ورابعة وخامسة تحكمه وتتدخل في تشكيل وعيه كمواقع التواصل الاجتماعي والأصدقاء، وغيرها من العوامل، وهو ما يتطلب من المثقف والمؤسسات الثقافية والأدبية تجديد الخطاب الشعري للوصول إلى الجمهور، فلا ينبغي على المثقف أن يلقي رسالته وكفى، ولكن المؤسسات الثقافية والإعلامية يجب أن تتنازل عن كبريائها وتنزل إلى مستوى خطاب الشباب العادي، ولقد طلبت ذلك من الأمين العام لرابطة الأدباء الكويتيين حميدي المطيري، ونصحته بالعمل على اجتذاب الشباب وأصحاب المشاريع الصغيرة إلى أنشطة الرابطة وغيرها من المؤسسات الثقافية، ولكن دون أن نهبط بمستوى الخطاب، بل يجب أن نحافظ على اللغة العربية والخطاب الأدبي العالي المستوى، كما يجب على المتلقي أن يبذل بعض الجهد للوصول إلى رسالة المثقف، وألا يعتبر الحصول عليها بسهولة دون تفكير هدفا أساسيا».

وتحدث المسعودي عن نظرة المجتمع للشعر والشعراء والوصول إلى حد التكفير كما حدث مع الشاعر الراحل فهد العسكر.

وعلقت الشيخة أفراح: «لذلك، أنا حين أقدمت على كتابة الشعر فكرت في انتشار اسمي واسم عائلتي بين الجمهور، نتيجة القيود الاجتماعية وخصوصا حول المرأة، وهناك أمثلة كثيرة حتى في العالم الغربي أحيانا ما تلجأ النساء إلى الكتابة باسم مستعار».

خلق شخصية ثقافية

وسأل المسعودي: «بعيداً عن هذه العواصف كيف يمكن خلق شخصية ثقافية حقيقية؟».

أجابت الشيخة أفراح بقولها: «إنها قضية صعبة في ظل التفاهة والإسفاف المنتشرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنها ليست مهمة مستحيلة خصوصا إذا انتبهت الأسرة والمدرسة لدورهما القوي في هذا الجانب، فهي مسؤولية البيت والعائلة بالتعاون مع المدرسة، ولكن للأسف بعدما كان المدرس مربياً مقدساً في الستينيات والسبعينيات أصبح دوره الآن وظيفياً فقط، وهو ما تسبب في انهيار المؤسسة التعليمية وفقدانها قيمتها التربوية والتثقيفية والتوعوية».

وأضافت: إن الشباب لا يلام في سخطه علينا حال تمجيدنا للماضي، لأنه لم يواكب ما عاصرناه من جودة ورقي التعليم، لذلك فالنظام الحكومي التربوي والمناهج يجب أن تراجع، ووظيفة المدرسين يجب أن تكون بأعلى نسبة قبول، لأنهم المسؤولون عن تخريج بقية المهن والمجالات.

انعزال المثقفين

وسأل المسعودي حول اتجاه بعض المثقفين أو أغلبهم إلى الانعزال عن المجتمع بوصفهم نخبة، يجب ألا يتحاكموا على أفكارهم، فيكتبون بغموض بحت ما يتطلب التفكير بعمق لكسر الدائرة السوداء في أعمالهم، وعلقت الشيخة أفراح بقولها: «لا يجب أن يكون العمل الأدبي واضحاً بنسبة 100 بالمئة، فالتواري والإخباء ألعاب يمارسها الشاعر في عمليته الإبداعية، حتى لا تنكشف أوراقه أمام المتلقي، ولكن هناك شعراء لا أفهم مبتغاهم، لذلك لا أقرأ لهم، وهي أذواق، ولكن في المقابل يجب أن يبذل المتلقي جهدا لفهم النص وفك رموزه».

وأضافت: «القدرة على التأثير تأتي في انتقاء الكلمات والأسلوب والإلقاء والحضور، مثلا أم كلثوم كوكب الشرق كانت ذكية لدرجة أنها أثرت بصوتها، وجعلت الجميع يتماهون معها، وظهر بنفس الوقت الفنانة فتحية أحمد كانت أفضل صوتا منها، ولكنها لم تكن بذكاء أم كلثوم، لذلك لم تحقق ما حققته أم كلثوم في التأثير، وللسلطة دور في ذلك، ومثال على ذلك أنه رغم وجود خلاف بين أم كلثوم والملحن محمد عبدالوهاب، فإن السلطة طلبت منهما التعاون معاً، فكان نتاج ذلك العمل الخالد «انت عمري»، وفي المملكة العربية السعودية هناك وزارة الإعلام والثقافة، ولكن بعد فصل الوزارتين صار فيه تكثيف للجهود، وتسليط الضوء على الأدب والثقافة، وأصبح هناك مسابقات ومبادرات على جميع المناطق والمحافظات السعودية».

مصداقية الشاعر

وتطرقت إلى أن أحد أهم أسباب التأثير هو الصدق، مؤكدة انها تعول على مصداقية الشاعر، ومثال على ذلك، جبران خليل جبران وقصة عشقه مع مي زيادة، كانت مصدر إلهام خلال مسيرته الشعرية الكبيرة، فهو شاعر كبير وله ثقله، ولكني لم أحب موقفه مع مي زيادة، وشعرت بعدم مصداقية أعماله، لأنه وسط قصة عشقه الأسطورية كان له عشيقات كثر، ومثال آخر الشاعر محمود درويش، الذي عاش حياته حاملا قضية فلسطين، فأشعل صدورنا بأشعاره، قد وقع في حب مجندة إسرائيلية، فأين الصدق في قصائده؟، معلقة بقولها «إن الشعراء أصدق الصادقين وأكذب الكاذبين».

وسأل المسعودي حول العمل الثقافي، هل هو ترف أم مسؤولية وأهمية اللغة العربية؟ فأجابت بقولها: «إن الترف والمسؤولية جناحان للعمل الفني والإبداعي، كما أن العمل الأدبي في حد ذاته متعة، ولكن حين يتحول إلى مشروع شعري تصبح المسؤولية أكبر بكثير، وبالنسبة لي فقد كان مشروعي الأدبي مغامرة باهضة الثمن، لأنه بعد أن تنتهي من أول ديوان تأتي مسؤولية أصعب للوصول إلى الثاني والثالث».

وحول اللغة العربية أكدت: «أعتز جدا بلغتنا العربية، لأنها لغة القرآن الكريم، فهي لغة غنية بالمرادفات وفضفاضة وكريمة وجذلة وساحرة، وتطعن بلذة خاصة وفريدة، وتمنح نوعا من الثبات والقدرة على التعبير، وتولد في النفس ثقة كبيرة، وكل يوم أكتشف فيها سحرا وقوة خارقة، وعندها سلاح يجرح ويقتل قتلا لذيذا وممتعا».

أسرار اللغة العربية

وقال المسعودي: «اللغة العربية لها أسرار وخفايا ومعان قوية، فمثلاً حين قال نزار قباني: على الخريطة أمشي خائفا؟، تختلف كثيرا عن المعنى إذا قال على الأرض أمشي خائفا، وفي ديوانك الأخير اخترتِ عنوان «شغف أزرق» فلماذا اللون الأزرق دون غيره؟

فأجابت الشيخة أفراح: «الأزرق يمثل دولتي الحبيبة، ونحن اليوم في هذا المحفل الرياضي وكل شيء حولنا أزرق، فللشغف ألوان قد تراها وقد لا تراها، أما اللون الأزرق فهو يمثل البحر الذي شهد ميلاد أغلب قصائدي، كما يحمل الكثير من الغموض والغضب والدرجات والرائحة كرائحة البحر».

وفي نهاية الجلسة، تلقت عدة أسئلة حول: من هو المثقف الحقيقي؟ وكيف يصل للجمهور؟ وقضية تخليد ونشر الشعر بالقصائد المغناة مثلما فعلت أم كلثوم وغيرها من المطربين في تخليد أعمال الشاعرين أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وغيرهما، فضلاً عن أسئلة حول تجربة المرأة الشعرية وانعزالها عن المشهد الأدبي، وأهمية الشعر بالنسبة إليها.

مداخلات الجمهور

أكدت الشيخة أفراح أن «المثقف في نظري ليس الحاصل على الشهادات العلمية، ولكن ربما يكون أعرابي بدوي يفهم في فنون الصحراء والنجوم ويحفظ الشعر بفطرته هو عندي أكبر مثقف بشكل طبيعي وفطري، فالمثقف الحقيقي هو من يبحث ويسأل ويفكر ويتعلم تعليما ذاتيا فيطور نفسه وفكره ووعيه، فهناك أصحاب شهادات لا يملكون ثقافة، لأنهم ليس لديهم الوعي الذي تكفله الثقافة، فالمثقف هو من لديه وعي لأن يكون مواطناً صالحاً لا يتعدى ولا يتجاوز، بل يسهم برقيه وثقافته في تطوير وطنه وعكس صورة حضارية عن مجتمعه، كما يجب عليه أن يصل برسالته إلى المتلقي من خلال تطوير الخطاب الشعري».

وحول غناء القصائد، قالت: «بالطبع غناء القصائد مهم لانتشارها، ولكن مع الأسف كما قال الموسيقار محمد عبدالوهاب: (الناس تسمع بسيقانها لا بأذانها)، وهو سبب هجر غناء القصيدة وانعزالها عن المشهد الموسيقي، إلا أن الشيخة سعاد الصباح نجحت في ذلك، حين قدمت إحدى قصائدها للمطربة ماجدة الرومي».

المرأة الشاعرة

ذكرت الشاعرة الشيخة أفراح الصباح أن «المرأة في السابق كانت تخشى أن تلقي شعرا، ثم بدأت تكتب الشعر بأسماء مستعارة، ولكن هذا لا يعني وجود شاعرات، بل هن عصاميات لديهن من عزة النفس ما يمنعهن من الركض خلف المنتديات والظهور، ولذلك فالدور الأكبر يقع على المنتديات الأدبية ورابطة الأدباء والمجلس الوطني للثقافة في تعزيز حضور الشاعرات على الساحة، وحتى أنا أسعى بنفسي لأصل بمشروعي الشعري للجمهور، ولكن ليس كل الشاعرات ينتهجن نفس النهج».

وحول أهمية الشعر بالنسبة لها، قالت: «الشعر هو الحياة، هو السؤال الذي يعد محور حياتي ومتعتي الكبرى، ووسيلتي للحصول على السعادة والتفكير، وهو فلسفتي وشغفي في الحياة، وهو وسيلتي لفهم نفسي والآخرين، والشعر هو إجابة السؤال الذي لم يُسأل بعد، وهو كينونة النفس، وفي الطريق إلى الشعر أجد طريقي في الحياة».

وطالبت الشيخة أفراح، في كلمتها الختامية، وزارة التربية بالعودة إلى الاهتمام بالثقافة والشعر والأدب والرسم والموسيقى في المناهج الدراسية، مشيرة إلى أنها تذكر في الصف الثالث الابتدائي أنه كانت هناك مسابقة بين مدارس الكويت حول عزف المقطوعة الموسيقية الشهيرة «الفرسان الثلاثة»، وكان ذلك تحت اشراف مدرسات موسيقى من خريجات معهد الكونسرفتوار في جمهورية مصر العربية الشقيقة، مؤكدة أنه مع الاهتمام بهذا الجانب تستطيع الكويت أن تحقق نهضة كبيرة بسواعد أبنائها المخلصين.