عندما يخاطب الله - جل وتبارك - عبداً من عباده اختاره ليبلِّغ دعوته للناس، يقول له: «إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا»...
فبماذا يبشر هذا الذي اختاره الله ليكون ناقلاً لتعاليم الله إلى عباده؟
- يبشر بالحق، يبشر بالعدل، يبشر بالرحمة، يبشر بالحُب... بالمساواة، ويبشر بواجبات الإنسان نحو أخيه الإنسان.
وهذا التكليف بالتبشير الرباني لعباده من الرسل والأنبياء هو الذي أعطى القداسة لهؤلاء الذين اختارهم ربهم، لأنهم يلتزمون بالحقائق التي أُمروا بها، أو ما نطلق عليه الآن أنهم كانوا يبشرون بإعلام الناس بتعاليم ربهم.
***
لكن الإعلام - المُعاصر - صارت له مدارس وكليات وأساليب تتفنن في جعله يتحكَّم بتوجهات الناس، من خلال الدراسات النفسية، لخلق أجواء ترسخ في نفوس البشر ما يُراد منهم أن يصدقوه، مع أنه غير قابل للتصديق... وهكذا، فإن أحد الشعراء - وهو إعلام - يقول لحاكمه:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار
فاحكم فأنت الواحد القهار
وهناك من المنافقين مَنْ يصفق لهذا الشاعر، وهو يعلم أنه كذاب.
وكذلك هناك إعلام آخر كان يقول للدكتاتور صدام:
لولاك ما سقط المطر
لولاك ما طلع الشجر
لولاك ما ظهر القمر
لولاك يا صدام ما خُلق البشر
وكان مثل هذا الهراء يُذاع في وسائل الإعلام...
***
فالإعلام المعاصر يرتبط بسياسات التبشير لمصالح دول بعينها، وهي ليست لها علاقة من بعيد أو قريب بالمُثل التي بشر بها الذين أمرهم ربهم، فغيَّروا وجه البشرية، بما بثوه من تعاليم فرضتها عليهم السماء لجعل الحياة تنتقل من التوحش إلى الأنسنة.
***
وأستطيع القول إن الأزمنة المتعاقبة لها مواسم وعصور، فهناك عصر الفروسية، وعصر الشعراء، وعصر العلماء، وعصر الفلسفة، وغير ذلك من العصور، وأقول الآن بمنتهى الثقة إننا نعيش عصر الإعلام، فأنت مهما كان مستواك الفكري والثقافي - شئت أم أبيت - مُحاصر بالإعلام، وهو بين يديك.
لكن هل الذين يطلون عليك من خلال هذا الإعلام الذي يطوقك من كل جانب جديرون بمخاطبتك؟!
أشك في ذلك، وإلا لما ساد هذا الجهل، وهذا التخلف، وهذه العنصرية، بل والطائفية، فضلاً عن الكراهية التي تفشَّت بين أبناء العقيدة الواحدة، والقومية الواحدة، بل والمصير الواحد والمشترك.
***
بكل أسف، تعدُّد وسائل الإعلام - أي التواصل - جعل من بوصلة الطريق القويم في غاية الانحراف، فسارت في طريق الابتذال والفُحش والخنا، إلا القليل القليل ممن يخاف الله، وهم ندرة يسيرة وسط طوفان من الإعلام المبتذل.