إذا كان رب البيت بالدف ضارباً... فشيمة أهل البيت كلهم الرقص... وهكذا وعلى خطى أصحاب الأمر سار الكثير من المتاجرين والكثير من المعنيين بالتجنيس وبالالتحاق بمجتمع الرفاهية والطمأنينة الكويتي، فجنّسوا من أجل المال، وجنّسوا من أجل الجاه، وجنّسوا قليلاً جداً من أجل الله.
وإذا كان التجنيس السياسي قد بدأ واشتد في الستينيات، تحت دوافع محاصرة الأغلبية الكويتية الوطنية، وإضعاف النفوذ الانتخابي للقوى الديموقراطية فإنه ارتقى إلى التزوير والتكسب المادي بعد بداية القرن الحالي، وبعد ارتفاع وتيرة الاستجوابات وتدني أداء الحكومات السابقة.
لقد اشتدت المعارضة السياسية للسلطة أو للأسرة الحاكمة بالذات بعد وفاة المرحوم الشيخ سعد العبدالله السالم (راعي وحاضن التجنيس السياسي)، حيث تمرد أو لنقُل عقّ «المجنسون سياسياً» السلطة وأصبحوا، بعد تولي الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، مقاليد الأمور، رموز المعارضة الأساسية... الأكثر حدة ومطالبة. وفي الواقع، لم يكن «عقوقاً» بالمعنى الصحيح. فقد نشأت أجيال ونمت أعداد ليست لها علاقة بالتجنيس أو من جنس... بل هم مواليد الكويت وأبناؤها الذين تربوا على أنهم مواطنون كويتيون لهم حقوقهم ومكاسبهم بلا منة من الشيخ سعد أو غيره. أجيال جديدة تشعر بالغبن بدلاً من الامتنان، وبالاضطهاد عوضاً عن المحاباة، وبالانتماء إلى الكويت بدلاً من التطفل عليها.
وأمام هذا الزخم المعارض لجأت السلطة في البداية إلى المال لشراء أصوات الموالين في البرلمان، وتحصين وزرائها من نتائج الاستجوابات وطرح الثقة، ولكن بعد نفاد أو شح المال بدأ العبث بالجنسية، وصارت تمنح لكسب ود نائب أو ضمان تصويت قبيلة عند طرح الثقة، ومنه أي من هذا العبث اشتق التزوير والتلفيق وعَرض الجنسية - على قولة إخواننا المصريين - بالهبل على من يستحق ومن لا يستحق ومن يسوى ومن لا «يسواش».
لقد فرطت الأطراف المناوئة للديموقراطية وللتطور السياسي في أمن الكويت وهويتها، من خلال التلاعب بالتجنيس والإفراط فيه. وإذا كان التجنيس في الستينيات وفي السبعينيات ضرورة ومنة بسبب قلة السكان وضخامة الموارد وطبيعة المجنسين... فإنه بعد ذلك، وخصوصاً بعد التحرير، أصبح عبئاً وخطراً وضياعاً للهوية الوطنية.