الخصوصية... مرة أخرى
في تعاملاتي وتنقلاتي ومطالعاتي اليومية أنتبه الى أمور تهمني وأركز عليها، كحال سائر الناس ولست بذلك استثناء، ومن الأمور التي تشد انتباهي آلية التعامل مع خصوصية الأفراد والتساهل بشأنها من الأغلبية.
أصبح أمرا معتادا أن يسألك الكاشير في المعارض التجارية عن رقم هاتفك ليسترجع النظام معلوماتك وسجل مشترياتك السابقة، وعادة يعطي الزبون رقم هاتفه بصوت يسمعه من بجانبه وفي كثير من الأحيان يصل الصوت الى دائرة أوسع، ويرد موظف الكاشير باسم الزبون الظاهر على الشاشة للتأكد من صحة المعلومات، بذلك يستطيع من بجانبك الذي لا يوجد سابق معرفة بينكما ربط رقم التليفون بالاسم والشكل، تخيل ما يستطيع هذا الشخص فعله لو كان يملك نوايا سيئة.
أم تراجع مدرسة ابنتها يطلب منها حارس المدرسة البطاقة المدنية لتسجيل بياناتها في دفتر خاص، تخيل هذا الحارس مطلع على أسماء وعناوين وأشكال شخصيات المنطقة رجالا ونساء، ماذا يمكنه العمل بهذه البيانات لو وجدت النية السيئة، والأمثلة على استباحة البيانات الشخصية كثيرة جدا.
تطرق المحامي النشط والكاتب حسين العبدالله الى تقديم موظفين مطلعين على ملفات قضايا الى القضاء بتهمة انتهاك خصوصية بيانات مواطنين وذلك بالدخول على ملفات إلكترونية خاصة بمتقاضين والاستعلام عن بيانات تعمل على ترجيح كفة أحد المتخاصمين على الآخر، واستندت التهم، حسب الكاتب، الى قانون 20 لسنة 2014 الخاص بالمعاملات الإلكترونية وتحديداً الفصل 7 الخاص بــ«الخصوصية وحماية البيانات».
ماذا ستكون تبعات تسريب ملف وظيفي مثلا أو ملف صحي بالمستشفى النفسي أو ملف أمني لأشخاص من أحد الموظفين لاعتبارات مالية أو اجتماعية أو عائلية.
الغريب في الأمر، أن هذه الاستباحة أضحت مقبولة وعادية عند الكل تقريبا، أفرادا وشركات وحكومة، وإلا كيف تفسر قيام الهيئة العامة للمعلومات المدنية، وهي الجهة المؤتمنة على البيانات الشخصية حسب المادة 23 من قانون 20 لسنة 2014، بنشر الكشوفات الانتخابية بالاسم والرقم المدني والعنوان السكني لكل كويتي يحق له الانتخاب، وكان الأجدر بها إرسال رسالة نصية شخصية تأكيداً من الحكومة على إدراج اسم الناخب بالكشوف الانتخابية أو أقله نشر اسم الشخص والمنطقة التابع لها دون نشر كامل العنوان. سبق أن قدمت الدكتورة النشطة جنان بوشهري عضوة مجلس الأمة السابق مشروع قانون يُعنى بإدارة البيانات الرقمية وحوكمتها، وهو بلا شك مبادرة جيدة تستحق التقدير لكنها غير مكتملة ينقصها الإحاطة الكاملة لحماية البيانات (تجميع، تخزين، استرجاع، معالجة، إتلاف) والمحافظة على خصوصية الأفراد.
قلناها ونكررها، ينقص القوانين الحالية الكثير لسد الفجوة التشريعية المتعلقة بإدارة وحماية البيانات الشخصية، وبغياب تشريع يحمي البيانات الشخصية والحكومية من الاختراق ويفرض سيادة الدولة على بيانات الأفراد الشخصية والحكومية (Data Sovereignty)، ستكون المعلومات معرضة للاستباحة والاختراق وتنقلها خارج الحدود.
أخمن أن لمجلس الوزراء خريطة تشريعية، نتمنى أن يكون قانون حماية خصوصية البيانات من ضمنها.