بقايا خيال: «العيب فينا وفي حبايبنا»... لا في الدستور
لا أتفق مع ما كتبه الأخ الصديق العزيز سامي النصف ضمن مقالته المعنونة (في انتظار دستور جديد!) نشر في الزميلة «النهار»، عندما وصف دستور دولة الكويت بأنه سيئ، بسبب موروثاته وثقافته السياسية لأنها، حسب وصفه «أسهمت مساهمة فعالة في تفشي الفساد المالي والإداري والإثراء غير المشروع للنواب»، لكنني أوافقه الرأي بإيجاد مجلسين، أحدهما مجلس أمة منتخب وآخر مجلس شورى أو شيوخ أو أعيان معين، وإبعاد مجلس الأمة عن شؤون الأسرة الحاكمة، وألا تقيد ممارسة الأمير لصلاحياته بالقسم في مجلس الأمة، وفي اختيار ولي العهد بمعزل عن موافقة مجلس الأمة، إضافة إلى إيجاد لجان تقييم تحاسب أي انحراف من نواب المجلسين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن عدم تحقيق مثل هذه المقترحات التي تصب في مصلحة الوطن ليس ذنب الدستور بقدر ما هو ذنب الذين لم يكونوا جادين في تطبيق مواده المتعلقة بالتنقيح.
فالدستور أقر بتنقيح مواده بما يتوافق مع المستجدات السياسية والظروف الاقتصادية والتغييرات الاجتماعية وما يضمن المزيد من الحرية والمساواة، كما جاء في الباب الخامس من الدستور ضمن الأحكام العامة والمؤقتة، فالمادة (174) منه تنص على أن «للأمير ولثلث أعضاء مجلس الأمة حق اقتراح تنقيح هذا الدستور بتعديل أو حذف حكم أو أكثر من أحكامه، أو إضافة أحكام جديدة إليه»، والمادة (175) منه تنص على أن «الأحكام الخاصة بالنظام الأميري للكويت وبمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها، ما لم يكن التنقيح خاصا بلقب الإمارة أو بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة»، والمادة (176) تنص على أن «صلاحيات الأمير المبينة في الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها في فترة النيابة عنه». إذاً أين العيب في هذا الدستور الذي أهمل النواب تنقيحه بما يتوافق مع المصلحة العامة طوال العقود الستة الماضية؟
كلنا نتفق على أن دستور دولة الكويت صالح لكل زمان طالما كان مرناً قادراً على الانسجام «بالتنقيح» مع متطلبات كل حقبة تاريخية لبلادنا، فما ذنب هذا الدستور إذا كان النواب من فئة «تنابلة السلطان» هم السبب في إهمال تنقيحه طوال العقود الماضية؟ وكمثال ما ذنب السيارة كوسيلة مريحة لتسهيل عملية الانتقال، عندما يساء استخدامها وقيادتها برعونة تهدد حياة الآخرين وتعرضها للخطر؟ وما ذنب وسائل التواصل الاجتماعي التي وجدت لنقل ثقافات الشعوب وتقريب أفكار مختلف الناس لجعل الكرة الأرضية قرية صغيرة، تطبيقاً لقول الله عز وجل «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا»، فإذا بمجموعة من مستخدمي هذه الوسائل الإعلامية تسيرها لأغراضها الخاصة ولمصالحها الشخصية، حتى لو كان في هذا الاستخدام إضرار بالمصلحة العامة أو بمصالح الآخرين ممن حولهم فخلقوا مجموعة من القرى داخل كل أسرة بدلاً من أن يكون عالمنا قرية صغيرة؟
إن أملنا كبير بحصول تغييرات جذرية في عهد الحزم وتناول القضايا الوطنية المصيرية وإيجاد حلول جذرية لها على يد صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، ومنها تنقيح الدستور لضمان المزيد من مساحات الحرية والمساواة بما يتناسب مع العهد الجديد، وكذلك الحفاظ على الهوية الكويتية من التزوير والازدواجية، وغيرها من الأولويات الكويتية، التي ركنتها جانباً مجالس الأمة السابقة والحكومات المتعاقبة، ألم يتناول الشاعر وضاح حال الديرة منذ سنوات عدة عندما قال:
من رئيس القسم لي حَد الوزير.. نادر اللي له نوايا صالحه
ناقة الديره اتركوها في الهجير.. وعقْب حَلْب الديد... قالوا «مالحه»!
أصغر مْوظف.. إلى أكبر مدير.. منهو ما خلّاها «عِزْبه» لصالحه؟!
«كالحه» هذي الليالي يا عشير.. واقرا في القاموس معنى «الكالحه»!!
إذاً العيب فينا لا في الدستور.