بدون مجاملة: مرور الكرام واللئام!
نسمع منذ الصغر ذلك البيت البليغ الذي كتبه أبو الطيب المتنبي:
إِذا أَنتَ أَكرَمتَ الكَريمَ مَلَكتَهُ
وَإِن أَنتَ أَكرَمتَ اللَئيمَ تَمَرَّدا
الكرام واللئام فريقان حاضران في مسيرة الحياة بكل مراحلها وفصولها، يتقابلان ويختلفان اختلافا باطنيا وظاهريا، فكرًا وسلوكًا، في النية والسعي واللفظ.
أنت لا تدرك مقاصد الناس ولا تتعرف على أخلاقهم إلا حين تتفاعل معهم، ويلزم التفاعل التكرار، حيث لا يصح أن تحكم أو تحدد معادنهم من موقف واحد، فللبشر جميعا ظروف وتركيبة متشابكة بين خبرات الطفولة والمعتقدات، المشاعر والأفكار والحاجات، والحال الراهنة، والضغوط والمتطلبات والإمكانات.
يقال إن كل إنسان يخوض حربه الخاصة، ولا أستطيع إلا أن أتفق، غير أن المعايير الأخلاقية والضمير وما يعقد في القلب هي الحكم النهائي، من قبل ومن بعد، ولعل في تذكرنا لهذه العناصر والعودة إلى حسن الظن نحاول أن نرفق حين نطلق الأحكام أو نعتمد الأفكار والانطباعات حول الآخرين، لأننا نريد أن يُلتمس لنا العذر نحن كذلك، ولا نوضع في خانة الوقحين، عديمي الذوق والأدب، واللئام دون شك! ولكن دون شك اللئام موجودون فعلا! وهؤلاء هم الذين يصنفون أنفسهم حقيقة دون إساءة فهم! بل يدخلون القائمة منذ الإشكال الأول! كيف؟ وهل حقا إلى هذه الدرجة؟
إن الكريم حين يمر عليك تجده يقدّر ويتفهم، يتغافل ويعفو، يصون، فتسير عجلة الحياة وتستمر العلاقات، وتزدهر، أما اللئيم فيطالبك بما لا يحق له ثم يتعمد قلب الموقف! كالطالب الكسول الذي يتكل عليك، حتى إذا طلب ملخصك قبل يوم الامتحان ورفضت اتهمك بالأنانية!! وينظر إلى مصالحه هو فقط، فهو لا يُقبل إلا على الكريم طمعا بكرمه، ويريد المزيد وما فوق طاقتك ورغم إرادتك! وإلا نسف كل الخير! واللئيم لا تدوم عشرته، فحضوره مؤقت، فعش كريما وتنبه بأن الكرم كرامة للنفس أيضا، فلا تقبل التمرد! ودع اللئيم يمر بلؤمه ويغادر بتمرده.