رياح وأوتاد: الخلافات السورية تلخص الحالة العربية
سورية الآن أمام مفترق طرق، لأنّ القوى التي تشاركت في التخلص من حكم الأسد قد تختلف على كيفية حكم سورية، ورغم أنها كلها أعلنت أنها تريد سورية موحدة، فإن الواقع ينبئ بخلافات شديدة، فهناك الأكراد والعلويون والمسيحيون والعلمانيون والمسلمون، وهناك قوى خارجية موجودة، وكلها تعمل على تحقيق المصلحة وفق رؤيتها.
مطلب سورية الموحدة يجب أن يخرج من حيز الكلام إلى حيز التنفيذ الممكن، وهنا قد تواجه الجميع مشكلة القبول بالآخر، أي قبوله كشريك حقيقي في القرار وفي العمل وفي الخيرات دون إقصاء لأي طرف، وأعتقد أنه من دون الاتفاق على وحدة الوطن وحقوق كل الأطراف سيصعب أن تكون سورية موحدة، وقد تعود الانقسامات والمشاكل الكبيرة.
عندما أتى النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة كان فيها اليهود وزعامات يكاد أحدهم يتوّج ملكاً عليها، وكان يملك الأغلبية على هؤلاء، ولكنه لم يُقصِ أحداً منهم، فعقد المعاهدات الدفاعية مع اليهود وترك لهم خصوصياتهم، كما احتفظ لزعامات المدينة بمكانتهم، ولم يُقصِ المنافقين رغم مؤامراتهم، وشاور الكبار، وأخذ برأي الشباب في الغزوات، ورغم أن رأيهم كان خطأ في غزوة أُحد، فإن الله أنزل آياته بوجوب المشورة «وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ».
وسورية ليست وحدها في خطر الصراعات الداخلية، لأنّ معظم الدول العربية تعاني وجود أصوات تهدد بإلغاء الآخر والاستحواذ على القرار، مما قد يؤدي إلى عدم الاستقرار واشتعال الانقسامات، رغم أن تاريخ هذه الدول يشهد بالتعايش بين أديان ومذاهب طوال قرون لم يشهد تاريخ أوروبا مثله إلّا بعد الحرب العالمية الثانية.
وليس من عادتي أن أكتب عن مشكلات الدول الأخرى، ولكني أعتقد أن مشكلة الاستحواذ على السلطة وإلغاء الآخر أصبحت عامة وتهدد حتى الدول المستقرة، فمثلاً يطالب بعض العلمانيين بإقصاء الشريعة عن السياسة، وهذا يعني إقصاء كل المطالبين بها، ويأنف بعض الإسلاميين من وجود مخالفيهم في البرلمانات، ومنهم من يطالب بإلغاء البرلمان لأن فيه من لا يعجبهم، وهناك مواطنون يطالبون بإلغاء ترشيح أو تصويت آخرين بسبب مذهبهم أو أصلهم أو تاريخ جنسيتهم، وهناك من يطالب بإلغاء التمثيل السياسي في البرلمانات، لأنه سيأتي بمكونات طائفية وقبلية لا يريدها، وهكذا تتم الدعوة إلى إلغاء الآخر بحجج وذرائع ستؤدي في النهاية إلى الإقصاء والانفراد بالسلطة لحزب أو طائفة أو مذهب ديني أو سياسي.
وليس يخفى أن جميع هذه المحاولات فشلت في دول العالم كافة، بعد أن ذاقت ويلات الضعف والتخلف والانقسام وأحياناً الحروب. لذلك فإن أوضاع البلاد الإسلامية تضطرّها اليوم إلى القيام بدراسة سيرة النبي الكريم، السياسية والاجتماعية، للوصول إلى وحدة ومشاركة حقيقية تضمن حقوق كل مكونات المجتمع ومصالحهم، بما يتناسب مع حجم وخصوصية كل مكون، مع اتفاق الجميع على جلب المصلحة العليا للبلاد بأسرها ودرء المفسدة عنها.