أي مستقبل لسورية في ظل الشرع؟
أخطر مرحلة تمر بها سورية هي «المرحلة الانتقالية»، فإذا اجتازتها بأمان ودون انتقام فسيكتب لهذا البلد العربي السلامة والاستقرار وإلا فسندخل في نفق جديد، فحذار من السقوط في فخ الثأر والانتقام والتصفيات الجسدية، فهذا الطريق لن يؤدي إلا إلى الخراب والفوضى.
أمامنا تجربتان ومدرستان ليستا بعيدتين عنا: الأولى ما يعرف باجتثاث البعث العراقي، والثانية التسامح والتصالح المغربية، والطريق واضح بنهاياته، إما الغرق في التشرذم والتقسيم والتناحر، وإما التسامي فوق الجراح ولمّ الشمل باحتضان الجميع، والتعالي على عمليات الانتقام والثأر.
أن تدخل الحوار أفضل من أن تغلق الباب وتمارس الإقصاء، سورية بقيادتها الجديدة واللاعب الإقليمي الأبرز الذي يهيئ المسرح ويضبط الإيقاع، وهو تركيا بقيادة أردوغان، بمقدورها أن توجه وتطلب وتهندس الخرائط، فما أعدته قبل سقوط الأسد باستطاعتها أن تكمل الطريق وتساعد في خلق بنية تشريعات وقوانين تصب في مصلحة قيام «دولة مؤسسات» بما يعني الفصل بين السلطات وإعلاء سلطة القضاء والمحاسبة.
تبني «دولة مؤسسات» ليس بالأمر السهل، وإذا لم يتصرف القادة الجدد «كرجال دولة» حقيقيين فسيدفنون رؤوسهم في الرمال وسيحرمون الشعب السوري من العيش بأمان وطمأنينة وسلام كما يتمنون ويحلمون.
القانون الانتقالي الذي أقدم عليه بول بريمر عام 2003 والقاضي باجتثاث البعثيين ما زال ساري المفعول بعد 16 عاماً من إنشائه، ولك أن تتصور كيف هي حال العراق، ليس بسبب إقصاء البعثيين فقط بل للسياسة العامة التي يتبعها الحكام الجدد، والتي أدت إلى التقسيم والمحاصصة الطائفية والانقسام الفئوي الذي يلف العراق من جنوبه إلى شماله، وهذا الثوب أشرفت عليه وفصّلته الإدارة الأميركية ما غيرها، وكان بيدها «الخيط والمخيط»، والحقيقة المرة، اعترف بها بريمر بنفسه مؤخراً وبقوله «أخطأنا في تطبيق قانون اجتثاث البعث عندما ترك لبعض المسؤولين العراقيين بدلاً من أن نعطيه للقضاء»؟
المدرسة الثانية هي التجربة المغربية التي أعطت نتائج يمكن القياس عليها بميزان الربح والخسارة للمجتمع وللنظام، فقد تمت دعوة زعيم الحزب الاشتراكي عبدالرحمن اليوسفي لتشكيل حكومة برئاسته، ترافق ذلك مع السماح بعودة المعارضين بالخارج والعفو عن المحكومين بالسجن، وهذا النهج أكمله الملك محمد السادس عند توليه العرش عام 1999 بعد وفاة والده، ثم تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة عام 2004، وأعطيت الهيئة صلاحيات واسعة بالتحقيق بكل الانتهاكات التي وقعت في المغرب تجاه حقوق الإنسان من 1956-1999.
المهم أنها اتخذت إجراءات وأصدرت قوانين أدت إلى:
1- عودة جميع المنفيين السياسيين.
2- العفو عن جميع السجناء المتورطين بالانقلابات وزعزعة الحكم.
3- التعويض المالي للضحايا.
4- قدمت لهم خدمات نفسية واجتماعية وعملت على تأهيلهم واندماجهم في المجتمع.
جاء الربيع العربي عام 2011 بثوراته التي اختطفها الإخوان المسلمون، وكانت المفاجأة التي خطها ملك المغرب بإشراك حزب العدالة والتنمية (الإخوان) في تشكيل الحكومة بعد منح الترخيص لتلك الأحزاب، وفي عز موجة الصعود للإخوان في المنطقة العربية، أقدم المغرب على تعديل في الدستور من شأنه تنازل الملك عن صلاحيات منحت لرئيس الحكومة، أي أن النظام الملكي تجاوب مع المعارضة واستجاب لمطالبها، وحصلت انتخابات نيابية عام 2011 فاز حزب العدالة والتنمية بـ135 صوتاً من أصل 394 صوتا مجموع عد النواب بالبرلمان، تلا ذلك انتخابات 2015، ولأول مرة يتصدر المشهد السياسي حكم «الإخوان والسلف» لولايتين متتاليتين (كل ولاية 5 سنوات).
بعد عشر سنوات اكتشف المغاربة أن حكم الإخوان كانت نتائجه سيئة، وإذا كان خطابهم بمكافحة الفساد قد حملهم إلى الفوز بأكبر عدد من المقاعد فالتجربة العملية أظهرت فشلهم، وتبين أن الفساد طالهم كما الآخرين! نكسة «الإخوان» تجلت عام 2021 عندما لم يفوزوا إلا بـ 14 مقعداً، فالخطاب الشعبوي والسياسي شيء والتجربة العملية شيء آخر.
خلاصة الكلام: هل التعرض للظلم يبرر الانتقام أم التصالح مع المعارضة هو السبيل لركوب سفينة النجاة؟